بداية أريد التأكيد على أن السطور التالية لا تناقش أمورا سياسية، وليس هذا هو الهدف منها، وأية آراء سياسية قد تظهر خلالها فهي تأتي "ارتباطا" بما أريد الحديث عنه.
ونتحدث هنا عن التغطية الإعلامية للقنوات المختلفة للأحداث التي تشهدها محافظات مصر في أعقاب فض اعتصامي لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في محيط مسجد "رابعة العدوية" وميدان "النهضة".
والأزمة هنا تكمن في أننا لن نتحدث في أمرا جديدا، فالوضع يظل هو هو وإن تغيرت الأسماء الموجودة في سُدة الحكم.
وتتميز تغطية أغلب القنوات الحكومية والفضائية بالسوء الشديد، وتبتعد تلك القنوات خلال ساعات البث المباشر عن أدنى مستوى من المهنية، ولا تراعي تلك التغطية أية معايير إعلامية من التي لابد وأن تلتزم بها.
أغلب تلك القنوات لا تعرض سوى وجهة نظر واحدة فقط على مدار اليوم، ويظهر ذلك في ضيوف البرامج والتغطيات المختلفة من مسئولين حكوميين أو رموز من المشهد السياسي في مصر، سواء من يحلون ضيوفا على ستوديوهات القناة أو يتحدثون عبر الهاتف.
وفي ذلك أمرا غاية في الخطورة، فالبتأكيد لا يوجد طرف بعينه يحمل لواء الحق على طول الطريق، وفي المقابل ليس هناك طرفا محددا بالضرورة أن يكون "مجرما" باستمرار وفي كل المواقف.
وهو ما تغفله أغلب القنوات منذ بداية الأحداث، وبالطبع فإن هذا الأمر يأتي متعمدا من جانب تلك القنوات، وهو أمر يبتعد كل البعد ميثاق الشرف الإعلامي، وينزع المصداقية من تلك القنوات تدريجيا حتى وإن كانت تنال إعجاب النسبة الأكبر حاليا.
قد تسأل في هذه اللحظات سؤالا يبدو منطقيا: "ولكننا نواجه حربا ضد الإرهاب".
لا نريد الخوض في أمور سياسية معقدة ليس هذا مكانها، ولكن الحرب على الإرهاب لا تعطي مبررا أن تضع البيض كله في سلة واحدة، وأن هذه الكلمة "مطاطية"، وعلى الإعلام أن يفرق بين الإرهابي الذي يحمل السلاح ويروع الآمنين، وبين المتظاهر الأعزل الذي يسير في مظاهرة سلمية تحمل بعض المطالب السياسية.
الولايات المتحدة قادت حربا قالت إنها ضد الإرهاب، وبعيدا عن طبيعتها واستغلالها في احتلال الدول الآخرى كأفغانستان والعراق، ولكنها كانت تشن حرب إعلامية موازية لحربها على الإطلاق، أظهرت فيها العرب والمسلمين باعتبارهم إرهابيين لا يعرفون سوى الدم واستباحة الآخرين، وهو ما أثار غضبنا جميعا وقتها.
لا نريد أن نكون مثل الآخرين، كما نريد أن تصل للآخر صورة جيدة مما يقدمه إعلامنا، وعلينا أن نتعامل مع هذا الأمر ببعض الوعي.
وفي هذا السياق، فإننا لا نذيع سرا إذا علنا أن الأداء الإعلامي للقنوات المصرية خلال اليومين الماضيين كان مادة خصبة لهجوم العديد من المؤسسات الإخبارية والصحفية في العالم، وكانت إحدى الشبكات التليفزيونية البريطانية العريقة قد خصصت مساحة كبيرة من الوقت على شاشتها في وقت سابق من الجمعة، واستضافت عددا من الباحثين العرب والأوروبيين في الشئون الإعلامية، وتحدثوا جميعا عن أن الأداء الإعلامي المحلي للأزمة المصرية ينحاز للسلطة بشكل دائم.
ولا نريد أن نردد عبارات مفادها أننا دولة ذات سيادة وليس من حق أحد التعليق على ما نفعله، هذا بالتأكيد أمرا حقيقيا، ولكنه دولة تعيش ضمن منظومة عالمية نرتبط بدولها بعلاقات دبلوماسية واقتصادية، كما أننا عضو بمنظمة الأمم المتحدة، لذلك فليس من مصلحتنا الإنغلاق على أنفسنا، وعلينا الإلتزام إعلاميا وتوصيل الصورة بشكل صحيح للعالم من دون تحيز أو افتراء على أحد.
كما أننا لا نريد من أية قناة أو شبكة تليفزيونية أن تخالف الواقع أو تبث كذبا من أجل التوازن، ولكن على جميع القنوات أن تعرض الحقيقة هنا وهناك، وأن تمنح الفرصة للآخر للتعبير عن رأيه، ويبقى الحكم للمشاهد في النهاية.
وهناك أيضا أزمة كبيرة يفعلها "ربما عن عدم قصد" بعض المتواجدين في تلك البرامج، وهو تأجيج مشاعر الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، وهنا لا نتحدث عن إرهابيين ولا مجال للحديث عنهم، ولكننا نتحدث عن أشخاص يؤيدون ما تفعله السلطة، وآخرين لا يرغبون في ذلك، ويخرجون في مظاهرات تحمل مطالب آخرى.
مذيعو تلك القنوات، بالإضافة لبعض ضيوفها تشعر دائما وأنها يحركون طرفا ضد آخر، كما يربطون بين الإرهاب وبين أحد الأطراف على طول الخط، ويوجهون عبارات ليست مباشرة للمشاهد بأن يصطدم مع الآخر، وفي الكثير من الأحيان تكون مباشرة مثل ما يفعله العديد من الضيوف بالتليفزيون الحكومي من دعوات للشعب بأن يشكل لجان شعبية بالشوارع للتصدي للإرهابيين.
ومثل تلك الدعوات شيئا شديد الخطورة، وقد يصل بالبلاد للحرب الأهلية، وعلينا أن نعلم أن نسبة كبيرة من المشاهدين لا يجيدون القراءة، ولا يعلمون شيئا عن الصحف، ومصدر معلوماتهم السياسية هي تلك القنوات، كما أن آخرين لا يجيدون استخدام شبكات التواصل الإجتماعي، أي أن المعروض بالقنوات له تأثير كبير على المشاهدين.
وعلى النقيض، نجد شاشات عربية تقف على الناحية الأخرى بشكل مستمر، ولا تلتزم بالمهنية أيضا في تغطيتها، وغالبا ما تعرض حقائق ليست موجودة على الإطلاق، بل وتحرك الشعب تجاه جيش بلاده بشكل مستمر، وهو بالطبع أمر ليس مقبول.
الأزمة الرئيسية تكمن في أن القنوات إما أن تقف على هذا الصف، أو على النقيض منه تمام، المنطقى الوسطى تبقى دائما مهجورة لا يسكنها أحد، وهي المنطقة التي نريد من إعلامنا سواء كان حكوميا أو خاصة أو عربيا الالتزام بها.
قنوات إخبارية قليلة فقط هي من تلتزم بالحيادية، وللأسف جميعها ليست مصرية أو عربية، بل هي شاشات أجنبية ناطقة بالعربية، وأيضا تلك الشاشات لا تسلم من الانتقادات الموجهة إليها بأنها تابعة لحكومات ترفض ما تفعله السلطة في مصر، على الرغم من أن تلك الشاشات مستقلة بذاتها تماما عن أية جهات حكومية في بلادها.
أريد الإشارة في النهاية إلى أن القدر ربما كان رحيما ببلادنا، كون بعض الإعلاميين الذين يظهرون عبر الشاشات الفضائية الخاصة دخلوا في إجازاتهم السنوية بدءا من أيام عيد الفطر الماضي، وأن تلك الأحداث قد وقعت في فترة تغيبهم، وكلما رأيت آراء بعضهم وتغريداتهم يوميا، كلما نظرا للسماء شاكرا الله.
للتواصل عبر Facebook
وعلى Twitter
لعملاء فودافون وموبينيل .. للاشتراك في خدمة الرسائل القصيرة من FilFan.com ومتابعة آخر أخبار النجوم والفنانين لحظة بلحظة على موبايلك أدخل رقم تليفونك في المربع المخصص بالأسفل