يقف الوزير بين بعضا من مريديه وآخرين لا يطيقون النظر في وجهه، وجه الوزير كان مليئا بالتجاعيد نظرا لانتظاره سنوات قليلة لبلوغ الستين، ارتدى الوزير بدلته الأنيقة مصففا بعض الشعيرات القليلة التي تبقت في رأسه، والتي قضى الوزير في الليلة الماضية وقتا ليس قصيرا لتحويلها إلى اللون الأسود.
الوزير يتحدث عن حرية التعبير و"نهضة" الإعلام والصحافة في عهد الرئيس، الاثنان ينتميان للمدرسة ذاتها، لذلك كان طبيعيا أن يتشابه حديثهما، ويحمل الصفات القبيحة ذاتها.
وسط هذا الحديث، لم تتمالك إحدى الحاضرات نفسها، طرحت سؤالا منطقيا إلى حد كبير، الفتاة سألت الوزير قائلة: "وأين هي حرية الإعلام"؟ ليجيبها الوزير قائلا: "ابقي تعالي أقلك فين"!
المشهد السابق ليس مشهد من فيلما سينمائيا يجسده عادل إمام وكتبه وحيد حامد وأخرجه شريف عرفة، بل هو جزءا من الواقع الذي نعيشه حاليا على يد "صُناع النهضة"، والذي تعدى الخيال بملايين الأميال.
السيد صلاح عبد المقصود وزير الإعلام تحدث بطريقة غير لائقة متناسيا أنه يرأس الجهاز الإعلامي الخاص بأكبر دولة عربية، أو هكذا كانت، أو أنه يتحدث مع فتاة محترمة لا يصح أن تصطدم بهذا الرد "غير الأخلاقي" لمجرد طرحها سؤالا منطقيا.
الوزير تناسى أيضا أنه يتحدث في مؤتمر رفيع لتوزيع جوائز تحمل اسم اثنين من أهم رواد الصحافة والإعلام في تاريخ مصري، ولكن بالنظر إلى أحاديثه السابقة نجد إن هذه هي الطريقة الطبيعية في الحديث بالنسبه له.
فالوزير قبل ذلك تحدث مع مذيعة سورية في واقعة شهيرة، وتجاوز أيضا في الحديث عندما أخبرته المذيعة بأن الأسئلة ستكون ساخنة، ليرد قائلا: "هتكون سخنة زيك"!
التلميحات الجنسية في حديث وزير الإعلام، والتي يبدو من تكرارها أنها بالفعل مقصودة وليس مجرد "زلة لسان"، ليس من المفترض أن تخرج من شخصا مسئولا في كل الأحوال، خاصة وإن كان هذا الشخص أحد كوادر جماعة إسلامية تدعو للأخلاق والفضيلة "من المفترض أنها هكذا".
حديث الوزير بهذه الطريقة وسخريته من سؤال الصحفية ندى محمد خلال المؤتمر ليس له أي داع، ويبدو أن الوزير كان يتوقع أسئلة بعينها لا تسبب له حرجا، ولكن على الوزير أن يعلم أن السؤال المحرج يأتي من حيث يترفع هو أن يتداخل معه! كما قال رئيسه صاحب حرية الرأي والتعبير.
ما قاله الوزير ليس حدثا فرديا، فما حدث مجرد قطعة صغيرة من سلسلة تصريحات وأحاديث لا تصح تخرج ممن يمتلكون زمام السلطة، فرئيس الجمهورية يتحدث عن "حارة مزنوقة" و"قرداتي"، ورئيس الوزراء يترك جميع مشكلات البلاد ليتحدث عن عدم نظافة صدر المواطنات وتأثير ذلك على أبنائهن.
المثير في الأمر أن الوزير ربما يفعل ذلك متعمدا ليظهر في صورة الرجل الضاحك الذي يقوم بتوزيع الدعابات على الحاضرين، وما يدعم ذلك ضحكاته المتواصله بعد الخروج بمثل هذه التصريحات.
الوزير أيضا ربما يرغب في الخروج بـ "إفيهات" يتداولها النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه لا يعلم إن "إفيهاته" جميعها قديمة ولن تنزع ابتسامة فردا واحدا من هؤلاء!
من المؤسف أن يتحدث وزير الإعلام المصري بطريقة غير لائقة لم يجرؤ وزيرا مثل صفوت الشريف على الحديث بها، على الرغم من تاريخه غير الأخلاقي المعروف.
كان على الوزير أن يجاوب بطريقة أكثر احتراما على سؤالا منطقيا من صحفية لم تستطع الصمت أمام ما يقال أمامها من أكاذيب، بدلا من الرد بتلك الطريقة المبتذلة.
إذا كان صلاح عبد المقصود قد رد بتلك الطريقة لعدم امتلاكه ردودا أخرى، سيكون هنا واجبا علينا أن نقترح عليه بعض الإجابات، التي لن يستطيع بالطبع التصريح بها لأنها ليست موجوده في قاموسه أو قاموس نظامه.
سيادة الوزير .. حرية الإعلام أن يجد المواطنون الموضوعية والمنطقية في تغطية الإعلام الرسمي للأحداث، وليس التركيز على حدثا بعينه وترك أحاديث أخرى.
حرية الإعلام هي ألا يقتصر الظهور الإعلامي في إعلام الدولة على بعض الأفراد بعينهم ممن يملئون أذن المواطن بالأكاذيب.
حرية الإعلام سيادة الوزير ألا يغلق إعلام الدولة أبوابه أمام بعض الرموز المصرية لمعارضتهم النظام الذي تنتمي أنت إليه.
حرية التعبير يا سيد عبد المقصود ليست في أن يقول أي مواطن ما يريد ثم يتم الإطاحة به خلف أسوار النظام أو استدعاءه للتحقيق بشكل إسبوعي كما يحدث مع بعض الإعلاميين الذين يهاجمون النظام.
السيد الوزير يعرف جيدا ما تحمله السطور السابقة، ولكنه لن يجرؤ على تطبيق حرفا منه، لإن ذلك يعني سقوط نظامه وجماعته التي ينتمي إليها.
اساءة الوزير للصحفية الشابة بمثابة نموذج مصغر مما يعيشه الشعب المصري في عهد "النهضة المزعومة"، والتي يوجه صُناعها اساءات يومية في حق المواطن والدولة.
للمناقشة عبر "تويتر" https://twitter.com/Msale7
وعلى "فيسبوك"