يُنصح بسماعها أثناء القراءة
عام 1983 وفي عز فترة سيادة دراما المآسي الإغريقية في مصر، شاهدنا مسلسل عظيم اسمه "الشهد والدموع"، وكأن صناع المسلسل لا يطيقون تأجيل المأساة إلى أحداث المسلسل، فقرروا تلخصيها في كلمتين فقط واختاروهما عنوانا للمسلسل.
أمتعنا الموسيقار العظيم ملك ألحان الدراما المصرية بلا منازع الراحل عمار الشريعي بلحن لتتر مسلسل "الشهد والدموع" تصارعت فيه الآلات الوترية بجمل حادة ترد عليها ضربات قوية وغاضبة على "سيمبال" Cymbal الدرامز (القطع النحاسية)، أو تتداخل الأصوات، في صراع يتوافق بوضوح مع الصراع الذي ينتظرنا في أحداث المسلسل، في جملة تكررت على مدار أكثر من 23 ثانية في مقدمة اللحن.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
إلى أن يهدأ إيقاع الصراع الدرامي الذي حملته الموسيقى، بعدما فطن إلى استحالة حسم الصراع مبكرا بالضربة القاضية، وضرورة خوض معركة لحنية طويلة قبل كتابة كلمة النهاية.
ويحملنا اللحن إلى منطقة أكثر هدوءا، محافظا على وترياته مع استبدال نحاسيات الدرامز بصوت (الرق) الشرقي الذي يناسب حالة الهدوء والتأمل، ممهدا بإيقاعه المنضبط (بالواحدة) لسماع القصة منطوقة بصوت لا يقل رقة عن الموسيقى.
لتدخل الكلمات بصوت المبدع علي الحجار، صاحب الحنجرة الوحيدة المؤهلة لحمل هذه المعركة بتقلباتها، لتلخص لنا القصة بكلمات المبدع سيد حجاب، الذي أخبرنا ببساطة وهدوء أن هذه المعركة دائرة تحت نفس الشمس وفوق نفس التراب منذ بدء الخليقة بين الخير والشر بين قابيل وهابيل بين الأشقاء (من أم واحدة واب واحد دم واحد).
وبعد الوصف الجامع للحالة التي تعيشها الإنسانية منذ بدء الخليقة، واشتراكنا في الجري واللهاث وراء سراب وإن تعددت أشكاله، يستدرك حجاب قائلا: بس حاسين باغتراب، في لحظة مكاشة أراد أن ينبهنا فيها مبكرا إلى أن شعور (الاغتراب) هو آفة حياتنا وسبب كل البلاء.
"الاغتراب" المكاني، أو الزماني، أو الفكري، أو الثقافي، أو ... أو .... أي نوع من أنواع وأشكال الاغتراب يأتي في ذهنك هو السبب في المأساة.
حافظ عمار الشريعي في لحن الكلمات على أداء هادئ، أداء المتأمل الراصد من أعلى بعيدا عن الصراع واللهاث خلف السراب، فلم نجد انفعالا مبالغا فيه، أو صرخة من أعلى نقطة صوتية في الحنجرة، أو "شحتفة" في البكاء على حالنا وما وصلنا له، رغم الإمكانيات الجبارة لحنجرة وإحساس الأستاذ علي الحجار.
استدراك ونعود:
بمناسبة الأداء الهادئ في غناء التتر وفي موسيقاه، التي رغم تنوعها وتنقلها بين العديد من مقامات الموسيقى الشرقية خاصة (النهاوند والصبا)، أذكر قصة حكاها لي الفنان الكبير علي الحجار في لقائي به عن أول درس تلقاه في غناء تترات الدراما، عندما دخل الاستوديو لتسجيل أحد أغاني مسلسل "الأيام" عام 1979، بدأ في استعراض طبقات صوته في الأداء بشكل مبالغ فيه، فترك عمار الشريعي -الذي كان جالسا في كنترول التسجيل- مكانه ودخل له إلى استوديو التسجيل وقال له الدراما لا تحتمل التطريب، تعرف الأول ماذا يقول المشهد وأحداثه لتقديم ما يناسب القصة وتصبح صوت الممثل.
النهاية والكشف عن عبثية الصراع
وكعادة تترات المسلسلات المصرية الكلاسيكية، اختتمنا حلقات المسلسل بلحن يحمل البهجة والأمل، ويقدم الحل في كل ما مر بنا، فاستخدم الشاعر نفس مفرادات أغنية تتر البداية بتغيير بسيط (فالشمس تحولت إلى شموس) وبدلا من وطأة أقدام الشمس التي داست جباهنا في تتر البداية، شاهدة هى والتراب على هرولتنا وراء السراب، وجدناها في تتر النهاية هي هي (نفس الشموس) لكنها تبوس على روسنا، و(نفس التراب) وهو يحتضن "خطاوينا".
وبكل بساطة وعلى لحن مبهج لا يخلو من شجن قدم سيد حجاب التساؤل الذي يحمل في بساطته حلا لكل ما عانينا منه طوال تتر البداية وأحداث المسلسل: (طب ليه بنجري ونهري في نفوسنا وليه نعيش ناكل في بعضينا)، ليكشف أن لا شيء يستحق ... لا شيء على الإطلاق.
تحت نفس الشمس فوق نفس التراب كلنا بنجرى ورا نفس السراب!!!! كلنا من أم واحدة.. أب واحد.. دم واحد.. بس حاسين بإغتراب.
ليه بنتغرب فى دنيتنا الغريبة؟ ليه نقابل كل شىء بشكوك وريبة؟ واحنا لو عشنا حياتنا بصفو نية... نجمة الحلم البعيد تبان قريبة!
اقرأ أيضا:
أحمد ماهر يرد عبر على سلوم حداد: استحي على دمك وعيب اللي بتقوله
فنان سوري يسخر من نطق الفنانين المصريين للعربية الفصحى: قلة فقط ينطقون الـ"چيم" بشكل صحيح
لا يفوتك: ريمونتادا وخفة دم ونزاهة.. بداية نارية في الحلقة الأولى من "غالب ولا مغلوب"
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5