في عالم المسرح، حيث تتلاقى الرؤى وتتجسد القصص، تبرز بعض الأعمال لتثير النقاش حول ماهية الإبداع وحدود التجديد. هذا ما دفعني بشدة لمشاهدة وحضور العرض المسرحي "الملك وأنا"، الذي قُدم على مسرح البالون بالعجوزة ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري.
العمل، من إعداد وإخراج محسن رزق وبطولة النجمة لقاء الخميسي، وعد بتجربة بصرية مبهرة، خصوصًا مع تاريخه العريق الذي بدأ كفيلم عالمي شهير عام 1956. لكن هل استطاعت هذه الرؤية المصرية المعاصرة أن تحافظ على جوهر القصة الأصلية، أم أنها قدمت تفسيرًا جديدًا يثير تساؤلات حول العلاقة بين إبهار الشكل وتحديات المضمون؟ في هذا المقال، سنستعرض جوانب هذا العرض المميز، لنرى كيف مزج بين الجماليات البصرية والرسائل الفنية، وما إذا كان قد وفّق في تقديم عمل يجمع بين الأصالة والتجديد.
تحمستُ كثيرًا لمشاهدة وحضور العرض المسرحي "الملك وأنا"، من إعداد وإخراج محسن رزق، وبطولة لقاء الخميسي ونجوم مسرح الفنون الاستعراضية والشعبية، الذي قُدم على مسرح البالون بالعجوزة ضمن عروض المهرجان القومي للمسرح المصري. ونظرًا لدخول الجماهير مجانًا، امتلأ المسرح عن آخره.
لقد عُرضت قصة "الملك وأنا" عالميًا في السينما أولًا عام 1956، في فيلم أمريكي غنائي من بطولة يول براينر بدور "الملك مونغكوت" ملك سيام، وديبورا كار بدور المدرسة البريطانية "آنا ليون أوينز"، ومن إخراج والتر لانغ. كتب النص السينمائي إيرنست ليمان، بينما كتب النص المسرحي الغنائي أوسكار هامرستاين. أما الرواية التي استند إليها الفيلم فهي للكاتبة مارغريت لاندن وعنوانها "أنا وملك سيام"، وقد أنتج الفيلم "تونتيث سينتشوري فوكس". نال يول براينر جائزة الأوسكار كأفضل ممثل عن دوره في الفيلم، كما نالت ديبورا كار جائزة جولدن جلوب لأفضل ممثلة عن دورها، وحصد الفيلم العديد من الجوائز العالمية الأخرى.
قد يبدو الأمر تتبعًا تاريخيًا للرواية، ثم الفيلم، ثم المسرحية التي جابت أكبر مسارح العالم في أوروبا وأمريكا وغيرها، واستمر عرضها لمواسم عديدة بفرق متعددة. لذا، فإن الاسم في حد ذاته عنوان للجودة والمتعة والترفيه عبر المكان والزمان، مع التكيف العصري لكل منهما، ولكن دون الخروج عن الثيمة الأصلية أو استخدامها في إسقاطات أو مزايدات أو انتقاصات قد تقلل من قيمة العمل الأصلي. ويجب الإشارة هنا إلى أحقية كل منتج أو مؤلف أو مخرج في وضع رؤيته الخاصة أو سياقه الخاص أو تنفيذه الخاص للعمل، دون التقليل من جهود السابقين ورؤى الحاليين واستشرافات القادمين.
لقد شاهدت الفيلم السينمائي وحضرت العرض المسرحي في لندن ونيويورك، وكانا جميعًا مبهرين للغاية. ولعل عرض مسرح البالون قد ركز على قضية الإبهار الشكلي للعمل إلى حد كبير، وقد وفق مُعد ومخرج العمل، الفنان محسن رزق، إلى حد كبير في تحقيق هذا الإبهار بإمكانيات محدودة، لكنها تظل مبهرة خصوصًا للمشاهد المصري والعربي عمومًا. إلا أن المضمون أو المحتوى أو النص المسرحي قد ابتعد واختلف كثيرًا عن العمل الأصلي، وربما كان هذا مقصودًا بالطبع، ولكن ليس بهذا الاختراق أو الانتهاك أو حتى الاستباحة.
إيجابيات تستحق الإشادة
قبل الخوض في بعض السلبيات – على قلتها – يجب الإشادة أولًا بالإيجابيات العديدة:
أولًا، أن هذا العمل الاستعراضي الكبير يُقدم على مسارح الدولة، ومن إنتاج القطاع العام وليس الخاص، وهذا في حد ذاته أمر محمود يُحسب لكل من دعم هذا الإنتاج، خاصة وأن المسرح الاستعراضي مكلف للغاية ولا يُقدم عالميًا إلا بإنتاجات خاصة وتمويل ضخم.
ثانيًا، التحية والتقدير لكل صناع هذا العمل، وعلى رأسهم الفنان المبدع الأستاذ محسن رزق، صاحب الرؤية الدرامية والفنية الإخراجية في إعداده وتنفيذه. من الواضح جدًا جهوده المضنية والمخلصة في إخراج هذا العمل بهذه الصورة الجميلة بل الرائعة، في ضوء الظروف الحالية والإمكانيات المتاحة.
ثالثًا، يجب الإشادة بقوة بكافة المشاركين في الأداء التمثيلي والغنائي والاستعراضي في العمل، وعلى رأسهم بالطبع الفنانة المبدعة لقاء الخميسي، التي أكسبت العرض قيمة إضافية ربما تزيد عن بقية زملائها، ليس بسبب نجوميتها طبعًا، ولكن بسبب تمكنها من الأداء الصوتي والتمثيلي والغنائي والموسيقي والاستعراضي. لقد تقمصت شخصية المدرسة الإنجليزية بأسلوب بريطاني راقٍ وسليم، مزجت فيه بين أداء كل من ديبورا كار في "الملك وأنا" وجولي أندروز في "صوت الموسيقى" بنعومة شديدة. وربما أبدعت في ذلك أكثر ممن قاموا بأدوار سفير بريطانيا ذاته ومساعده، واللذان بديا كموظفين إداريين وليس ممثلين. ولا نقلل من شأن أحد، والعمل في مجمله جيد جدًا ورائع.
ملاحظات على المضمون
ولكن إذا أردنا التحدث عن السلبيات أو الهنات، والتي ربما تركزت في المضامين أكثر من الأشكال:
أولًا، لقد مزج مخرج العمل بين "الملك وأنا" (العمل الأساسي) وبين عمل آخر ربما يتقاطع معه ولا يتشابه، وهو فيلم ومسرحيات "صوت الموسيقى". ربما قصد المخرج من ذلك إثراء العمل الاستعراضي، ولكني أرى أنه اجتهاد غير موفق على حساب التحولات السريعة غير المنطقية في الأدوار الرئيسة للعمل، خاصة فيما يتعلق بمشهد العرائس المتحركة المـُقحَم على القصة الأساسية للرواية والفيلم والمسرحيات. وقد ساهم ذلك إلى حد كبير في تحويل بطل العمل الأساسي، وهو الملك، إلى صورة مشوشة أو مشوهة نسبيًا بين الجد والهزل. لذا تورط بطل المسرحية، الفنان الدكتور فريد النقراشي، في ذلك، فلم نره ملكًا يحكم أو حكيمًا رشيدًا ولا حتى أبًا واعيًا، إلا إذا كان ذلك مقصودًا من قبل المخرج. وقد برز ذلك الخلط بين أداء يول براينر بطل فيلم "الملك وأنا" وكريستوفر بلامر بطل فيلم "صوت الموسيقى"، والنسخة العربية منه "موسيقى في الحي الشرقي" بطولة سمير غانم، التي جذبت شخصيته الضاحكة أكثر من شخصية القبطان، لا الملك، كبطل لهذا العمل، على عكس ما ظهر قبطان "صوت الموسيقى" في مسرحية "العيال فهمت" من قبل الممثل القدير الفنان إيهاب شهاب مؤخرًا.
ثانيًا، أتت الكثير من الإسقاطات الفكاهية الساخرة ربما لمحاولة تلطيف وترطيب العمل، علمًا بأن الفيلم الأساسي والرواية والمسرحيات كانت تحت تصنيف العرض العائلي العام (G)، إلا أن بعض المشاهد والإفيهات قد خرجت عن إطار ذلك التصنيف. وبالرغم من وجود أطفال في العرض والجمهور بشكل مكثف، إلا أنها أتت خارج سياق الذوق العام. وكذلك كان إقحام بعض الأمور السياسية، مثل مأساة غزة، أعتقد أنه كان غير موفق، إلا من باب تذكير الحضور بها أو استرضاء للمزيد من التصفيق الذي عجّ بدويه المسرح عدة مرات خلال العرض.
أخيرًا وليس آخرًا، بالرغم من أن الأغاني كلمات ولحن وأداء وتنفيذ، إلا أن صوتيات المسرح قد أضاعت هذا المجهود الذي يبدو رائعًا ومميزًا، وذلك بسبب الصوت المرتفع زيادة عن اللزوم وصدي الصوت في البلاي باك والميكروفون، وهذا على ما يبدو شر لا بد منه وسر لا نعرف لماذا مستمرًا في أغلب مسارح القطاع العام.
خاتمة
في الختام، يظل عرض "الملك وأنا" على مسرح البالون تجربة تستحق الإشادة كجهد إنتاجي ضخم من مسارح الدولة، ونافذة للإبهار البصري والفني. لقد نجح المخرج محسن رزق وفريق العمل، وعلى رأسهم النجمة لقاء الخميسي، في تقديم عرض استعراضي يمتلك مقومات جذب الجمهور المصري والعربي. ورغم بعض الملاحظات على تباين المضمون والتحولات غير الموفقة في السرد، والتي قد تبعده عن جوهر العمل الأصلي، إلا أن العرض يبقى شاهدًا على قدرة الإبداع البشري على التكيّف وتقديم تجارب ممتعة بإمكانيات قد تكون محدودة. ففي نهاية المطاف، لا تكمن قيمة العمل الفني في مجرد محاكاة الأصل، بل في قدرته على إثارة النقاش، وتقديم رؤية جديدة، حتى وإن كانت تتحدى التوقعات.
اقرأ أيضا:
أميرة فراج تعلن انفصالها عن أحمد فهمي
راغب علامة يعلق على تلقيبه بـ"عم أحمد فتوح": عاوزه يروح معايا النقابة
ويزو تحسم الجدل: معملتش عمليات تكميم وصوري الجديدة بـ AI
#شرطة_الموضة: ملك أحمد زاهر بفستان سماوي ضيق Off Shoulder... سعره 30 ألف جنيه
لا يفوتك: ليه كلنا بنحب عبلة كامل؟
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5