منذ فجر التاريخ، والجريمة تسكن جنبات الوجود البشري، تتخذ أشكالا وأبعادا تتجاوز الفعل ذاته لتصبح انعكاسا لواقع معقد. وفي عالمنا المعاصر، حيث تتسارع وتيرة الحياة وتتصادم الطموحات، تبرز أعمال فنية تسلط الضوء على هذه الظاهرة بعمق. "قهوة المحطة" هو أحد هذه الأعمال، رؤية فنية يقدمها الكاتب عبدالرحيم كمال، حيث لا يقتصر الأمر على جريمة قتل وحسب، بل يتسع ليشمل تبدد البراءة والأحلام في خضم مدينة تائهة، تتجمع فيها الجريمة والأوهام لتشكل نسيجًا دراميا فريدا يلامس أرواحنا.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
إن أول جريمة قتل على الأرض منذ بدء الخليقة كانت لابني سيدنا آدم عليه السلام. تناولت البشاعة التي حلت بها بصفتها أول جريمة قتل في تاريخ البشرية، وربما أسوأها، لكنها لم تكن الأخيرة. لقد تنبأ الإنس والجن بها عند خلق الله للإنسان، ليفسد في الدنيا قبل نزوله للأرض، كما ورد في جميع المقدسات. وبالرغم من تحريم قتل النفس، حيث أن "من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا"، وليس نفسا واحدة فحسب، بل الناس جميعا. وتوالت جرائم القتل البشرية بعد ذلك على مختلف أشكالها وأساليبها، سواء كانت فردية أو جماعية، وبحق أو بدون حق، وهو الأغلب للأسف، رغم ما سنّته كافة الأديان والشرائع والقوانين والأنظمة في جميع دول العالم على مر العصور.
تعد رائعة ديستوفسكي، أيقونة الأدب العالمي "الجريمة والعقاب" الصادرة عام 1866 م، من أوائل الأعمال الروائية التي تناولت جريمة القتل، وقد قُدمت بشتى الأشكال الفنية والوسائل المتعددة والمختلفة. أما في عالمنا العربي تحديدًا، فقد برزت العديد من جرائم القتل، وربما من أشهرها جريمة رواية "يوميات نائب في الأرياف" للأديب توفيق الحكيم عام 1937 م، والتي تحولت فيما بعد إلى أعمال مسرحية وإذاعية وسينمائية، وأخيرًا إلى عمل تلفزيوني عام 1985 م. ثم تلتها جريمة شهيرة أخرى مثل "المذنبون" للكاتب الكبير نجيب محفوظ، ضمن مجموعته القصصية "مرايا" الصادرة عام 1972 م، والتي تحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي شهير عام 1975 م.
ويطل علينا مؤخرا الكاتب المعاصر الفذ عبدالرحيم كمال بجريمة مختلفة الأركان والأبعاد في مسلسل "قهوة المحطة" عام 2025 م، ليبرز متألقا ضمن القمم السابقة، بعد أن سبق وقدم العديد من الأعمال القيمة. إلا أن جريمة "قهوة المحطة" تبدو مختلفة تماما من حيث الكيفية والتوظيف والأبعاد الفنية المتعددة.
تبدأ القصة بمقتل شاب حالم يأتي من الصعيد ليصبح نجمًا في التمثيل، إيمانا منه ووعيا بقدراته الفنية، وبشهادة وتشجيع صادق من أقرب الناس إليه: أمه وخاله وصديقه، لإيمانهم بموهبته وقدراته. إلا أن فطرته الطيبة البريئة تدفعه للتعامل بكل شفافية وصدق مع الآخرين، دون سذاجة أو جهل أو تقصير منه. وما إن يبدأ في تحقيق حلمه وتطأ قدماه المدينة، تتلقفه وحوشها الجارحة، لتكشر له المدينة أنيابها وغدر ناسها منذ اللحظات الأولى لوصوله إلى أرض محطة القطار في القاهرة.
يصل مُشرِعًا أحلامه وقدراته وأمانيه، ولكن سرعان ما تهب الرياح ممزقة تلك الأشرعة النقية البريئة الفطرية. يدخل في عالم غريب الأطوار منذ لحظة وصوله المحطة، ومنها إلى "قهوة المحطة" المليئة بالأشخاص والنماذج والمآسي، ربما أكبر من المآسي الكبرى التي حددها ويليام شكسبير في أعماله الخالدة والباقية إلى يومنا هذا. يتمسك الشاب بكتاب بين يديه رغم فقد كل أغراضه، يستلهم منه العبر، بينما تلتهمه الأحداث المتتالية والشخوص المريبة العجيبة. يحاول أن يتلمس خطاه في غابة الأحداث والمواقف المغزولة بدراما إنسانية راقية الجودة وعالية التأثير. وهنا تكمن مواطن إبداع الكاتب والمؤلف العصري الكبير عبد الرحيم كمال.
يكتمل إبداعه بإتقانه للدراما بشكل فعال، حيث يبرز تساؤل: هل يعيش الإنسان لنفسه، أم لنفسه وللآخرين معا؟ حتى عندما يبادر الشاب الآخرين بالسؤال عن أحوالهم، يأتيه الجواب دائمًا بكل أنانية أو خوف أو حتى سؤال، ليكون الرد: "خليك في حالك؟!". ليتم وأد أفكاره واغتيال أحلامه قبل وقوع الجريمة، بطعنه بسكين في لحظة انقطاع الكهرباء. يصعب اتهام أحد، بل الجاني الحقيقي لا يُعرف إلا في نهاية الحلقات. حتى الجاني المنفذ ليس هو المتهم الحقيقي، بل الجاني المحرّض هو الأساس، أو حتى الجاني صاحب المصلحة من القتل، أو ربما جميع ما سبق. لكن ربما كل من تواجد في تلك البيئة المحيطة بالمحطة وكافة الأطراف المحيطة بها يقعون جميعًا في فخ الجريمة، بذنب أو بدون ذنب، فخ الغلب وسقوط الضمير الذي يقع فيه عادة بسطاء الناس، رغم أن أغلبهم في حالهم، ولكن يسعون بكل الوسائل لعدم الوقوع في المآسي الكبرى، سعيًا وراء البقاء على قيد الحياة، أو ربما حتى للتخلص من الآخرين للبقاء هو أو هي على قيد الحياة.
أساليب القتل ربما اختلفت، ولكن القتل الجماعي، حتى بالتجاهل والصمت، لا يعفي من المشاركة في الجريمة. مستويات التوحش للبقاء في الحياة ليست فقط في المدينة، بعيدًا عن القرية والريف، وربما الخوف الحقيقي من الغير، ربما في لحظات السلم أصعب من المواجهة، مما يحول الحياة أو البقاء في حد ذاته إلى جحيم.
في مسلسل "قهوة المحطة" إعلاء لدور المؤلف والكاتب والسيناريست العصري، بدلاً من الراوي التقليدي للرواية أو الحاكي للحكاية أو السارد للسردية، ليس فقط تعبيرًا عما هو مكنون في ضمير الكاتب، ولكن مضمونًا في الرواية أو محتوى القصة الواقعية أو التخيلية لرحلة شاب من سوهاج لتحقيق حلم، وانحدار قمة البراءة والحب والعدل والجمال إلى حضيض التجربة والواقع. دون الركون للفشل أو الإحباط، هو دعوة لعزة النفس والبقاء على إحياء الأحياء، وألا يتحولوا جميعًا إلى أموات يعيشون الحياة.
أبدعت جميع العناصر الفنية المشاركة في العمل، بقيادة المخرج المبدع المميز إسلام خيري، ابن خيري بشارة. وكذلك كل الممثلين، كبارًا عمالقة ومخضرمين متمكنين، وشبابًا واعدين بكل الخير والنجاح والتألق دون استثناء. وإن كنت أخص الشابين الجديدين على النجومية أحمد غزي أو مؤمن الصاوي في دور يضعه بكل رسوخ على أعتاب نجومية شديدة الوهج، وكذلك النجمة الشابة فاتن سعيد أو شروق التي تؤكد مع كل عمل نجوميتها المتوهجة مبكرًا بكل تأكيد. ولا يجب أن ننسى بالطبع عمالقة الأداء والتمثيل الأساتذة بيومي فؤاد وهالة صدقي ورياض الخولي وانتصار وكافة زملائهم العظام. كما يجب ألا نغفل المخضرمين المتمكنين الأساتذة علاء مرسي وضياء عبد الخالق وعلاء عوض وكافة زملائهم العظام. بصراحة شديدة، كل من ساهم أو شارك في هذا العمل الرائع قد تميز، حتى ولو ظهر في مشهد واحد أو مشاهد قليلة.
لقد أثبت "قهوة المحطة" بجدارة أنه عمل فني استثنائي، يعيد تعريف مفهوم الدراما التلفزيونية بفضل رؤية الكاتب عبد الرحيم كمال وإبداع فريق العمل بأكمله. ما يتركه المسلسل في نفوسنا يتجاوز مجرد المتعة البصرية؛ فهو يغرس تساؤلات عميقة حول مصير البراءة والأحلام في مواجهة واقع قاسٍ تتجمع فيه الجريمة وتزدهر الأوهام. ببراعة فائقة، نسج كمال قصة لا تُنسى، كاشفًا عن طبقات متعدّدة من النفس البشرية والمجتمع المحيط، ومقدمًا دعوة للتأمل في جوهر الإنسان وتحديات البقاء. إن هذا الإنجاز الفني الحقيقي يعزز دور الدراما كأداة للتنوير، ويؤكد أن الإبداع الحقيقي قادر على الوصول إلى أبعد نقطة في الوعي الإنساني، ومقدمًا وعدًا بمستقبل مشرق لأعمال عربية ترتقي بالذوق والفكر.
اقرأ أيضا:
كريم السبكي يحتفل بزواجه - صور
#شرطة_الموضة: بوسي بجامبسوت بحمالات لامع ... سعره 24 ألف جنيه
#شرطة_الموضة: تفاصيل إطلالات آمال ماهر في كليبات ألبومها الجديد "حاجة غير"
#شرطة_الموضة: أسماء أبو اليزيد ببدلة بيضاء أنيقة ومجوهرات تجاوزت المليون جنيه في "صاحبة السعادة"
لا يفوتك: ليه كلنا بنحب عبلة كامل؟
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5