أسدل الستار على الدورة الثامنة والسبعين من مهرجان كان، بتتويج توقعناه في مقال سابق للمخرج الإيراني جعفر بناهي بالحصول على سعفة المهرجان الذهبية، وبعدد من الجوائز التي ذهب أغلبها إلى من يستحقه. في هذا المقال سنمر سريعًا على الأفلام المتوجة بجوائز المسابقة الرسمية لكان 78، محاولين الإشارة لأبرز عوامل تميز كل فيلم التي منحته أسباب الفوز.
في الجزء الأول من هذه القراءة نتعرض للأفلام الفائزة بأهم جوائز المهرجان: السعفة الذهبية والجائزة الكبرى وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، ثم نتناول في الجزء الثاني جوائز التمثيل والسيناريو والإخراج.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
السعفة الذهبية: "كان مجرد حادث" – إيران
بتتويجه بأكبر جوائز المهرجان صار الإيراني جعفر بناهي رابع مخرج في التاريخ يجمع أكبر جوائز في عالم المهرجانات: السعفة الذهبية من كان، الدب الذهبي من برلين، والأسد الذهبي من فينيسيا. لم يسبق بناهي في هذا الشرف سوى الفرنسي هنري جورج كلوزو، الإيطالي ميكلانجلو أنطونيوني، والأمريكي روبرت ألتمان.
استفاد المخرج الكبير بالطبع من التعاطف العام معه داخل أروقة المهرجان، خاصة وأنه ينجز فيلمه المكتمل الأول منذ بدء تعرضه لمضايقات قانونية من قبل النظام الإيراني بدأت باعتقاله عام 2010 والحكم بوضعه تحت الإقامة الجبرية ومنعه من صناعة الأفلام. لم يتوقف بناهي بالطبع عن صناعة فيلم تلو الآخر والتمكن من عرضها خارج البلاد، لكنه يعود للمرة الأولى إلى كان بفيلم كامل صُنع بطريقة طبيعية، هو "كان مجرد حادث It Was Just an Accident" الذي لا يُمكن تناوله بمعزل عما تعرض له صانعه.
الحكاية تبدأ بحادث تصادم بسيط يضطر رب أسرة للاستعانة بعامل، لكن العامل يسمع صوت أقدام الرجل المميز بسبب ساقه الصناعية فيتذكر من قام بتعذيبه خلال اعتقاله بسبب المشاركة في مظاهرة عمّالية. وبالرغم من أنه كان معصوب الأعين لكنه شبه متأكد من أن الرجل هو الجلّاد. يبدأ الأمر رحلة يجمع فيها العامل مجموعة متباينة ممن تم اعتقالهم وتعذيبهم على أيدي نفس رجل الأمن، ليختلفوا حول هويته وحول ما يجب أن يفعلونه معه، هل يقتلونه انتقامًا لما أحدثه فيهم من آلام؟ أم يسامحونه بسبب عائلته التي شاهدناها في بداية الفيلم.
الفيلم شيق، مكتوب بعناية، خفيف الظل في بعض مناطقه ومؤثر في مناطق أخرى، لكنه بالتأكيد ليس أفضل أفلام جعفر بناهي وليس أحسن أفلام المسابقة، لذلك فإن السعفة الذهبية وإن كان الرجل يستحقها عن مُجمل مسيرة سينمائية مؤثرة، فإنها قد اختلطت هنا بأثر تعاطف رئيسة لجنة التحكيم جوليت بينوش وزملائها مع ما يمثله الرجل من انتصار لحرية التعبير.
الجائزة الكبرى (جران بري): قيمة عاطفية – النرويج
جائزة المهرجان الثانية من حيث الأهمية ذهبت أيضًا لفيلم توقعنا تتويجه، هو "قيمة عاطفية Sentimental Value" الذي عاد به النرويجي الموهوب يواكيم ترير إلى المسابقة بعد أربعة أعوام من حصول بطلة فيلمه البديع "أسوأ شخص في العالم The Worst Person in the World" على جائزة أحسن ممثلة. يعود ترير مع نفس البطلة ريناته ريسنفي التي صارت من أكبر نجمات السينما الأوروبية، مدعومة بفريق تمثيل دولي يضم معها ستيلان سكارسجارد وإيل فانينج.
بما يشبه الهموم الشخصية، يروي الفيلم حكاية مخرج اسكندنافي ناجح دوليًا، بما قد يؤثر على علاقته بأقرب الناس إليه. تبدأ دراما الفيلم من وفاة أم شقيقتين، إحداهما ممثلة مسرحية شهيرة محليًا، ليظهر الأب في العزاء لنعرف أنه مخرج مقدر دوليًا، ترك زوجته وبناته قبل سنوات ورحل بحثًا عن حريته الفنية ونجاحه السينمائي. والآن يعود إلى أوسلو حاملًا سيناريو فيلم جديد يحلم أن تلعب ابنته بطولته، وعندما ترفض يستبدلها بنجمة أمريكية عالمية، يتمكن من اجتذابها بشخصيته الساحرة التي يعرفها كل العالم عدا زوجته وأبنائه.
وبينما تبدو القصة أشبه بهموم العالم الأول، بل وأكثر: مشاكل الطبقة المخملية في النرويج! لكن موهبة ترير تجعله يضرب بذكاء على أوتار تمس البشر في كل مكان، والمبدعين منهم خاصةً، ممن يمتلكون حياة عامة قد تختلف، بل وتتناقض أحيانًا مع حياتهم الخاصة، وهو تناقض مسمم لأنه يزيد في كل يوم الهوة بين أقرب الناس، فكلما ظهر الأب على الشاشة، ناجحًا محبوبًا خفيف الظل، عمّق ذلك أكثر الجرح داخل من تركهم ورائه لتحقيق ذلك.
يُحكم يواكيم ترير نسج قصة متشابكة، تمنح وقتًا واهتمامًا لكل شخصية على حدة، وتتمكن من تشبيك الفصول المتناثرة في حكاية واحدة قادرة أن تؤثر في المشاهدين، حتى لو كانت تتعلق بهموم لا تبدو للوهلة الأولى ضمن أولويات حياتهم. فلو نحيّنا تفاصيل الحياة النرويجية جانبًا، تظل علاقة أب ببناته مادة صالحة للتواصل مع البشر في كل مكان.
جائزة لجنة التحكيم (مناصفة): صراط – إسبانيا
قررت لجنة التحكيم تقسيم جائزتها الخاصة بين فيلمين، أحدهما في رأي كاتب السطور (ورأي نسبة كبيرة من الحضور النقدي للمهرجان) هو أهم إنجاز سينمائي حقيقي جاءت به دورة هذا العام من المهرجان: فيلم "صراط Sirat" للمخرج الإسباني الفرنسي أوليفر لاتشيه، الذي ينهي به ثلاثية شديدة الخصوصية، يحاول فيها إعادة النظر للبشر من مدخل سينمائي جديد، يختبر حواسهم ويحاول ربطها بالطبيعة.
"صراط" يتابع رحلة في الصحراء المغربية، أبطالها مجموعة غير متوقعة من مهووسي الموسيقى الذي يرتحلون وسط الرمال وراء حفلات صاخبة تستمر أيامًا، مع أب وابنه يبحثان عن ابنة ضائعة، وسط اندلاع حرب عالمية نفترض أنها تهدد الوجود الإنساني بأكمله. تفاصيل الحكاية الدرامية لا تهم كثيرًا لأننا سرعان ما نتناساها مع خوض الرحلة السمعية البصرية التي يأخذنا فيها المخرج الموهوب، والتي يمكن في أحد مستوياتها مقارنتها باندفاع البشر الدائم في الحياة رغم أن كون النهاية الحتمية هي الموت.
من حفل صاخب في قلب الصحراء على رحلة وجودية لا تسعى إلى لبلوغ النجاة، ومن مجموعة من الأشخاص المندمجين في الموسيقى والرقص إلى أناس يقوم التواصل بينهم على إدراكهم الأولى لأنه إذا ما تم تفريغ الحياة من كل مكتسباتها، فلن يبقى للبشر سوى قدرتهم على البقاء معًا بأي ثمن. المخرج استوحى عنوان فيلمه من الثقافة الإسلامية حول الجسر المار فوق الجحيم، والذي يسير كل البشر فوقه يوم القيامة فيجتازوه أو يسقطوا في النار، وفي أحد أهم مشاهد الفيلم يقدم لاتشيه معالجة درامية بصرية مفاجئة للفكرة ذاتها، لا تعد هي المفاجأة السارة الوحيدة التي حملها الفيلم لمشاهديه.
جائزة لجنة التحكيم (مناصفة): صوت السقوط – ألمانيا
فيلم شديد الخصوصية جاءت به المخرجة الألمانية ماشا شيلنسكي إلى كان، وهي اسم مغمور لم يسبق لها المشاركة في أي مهرجانات كبرى، باستثناء فيلم واحد سابق عرض في قسم الأفلام الألمانية المحلية من مهرجان برلين قبل عدة سنوات. الأمر الذي يعكس إعجاب إدارة مهرجان كان بهذا الفيلم الذي يتعرض لتاريخ حياة المرأة الألمانية بصورة غير معتادة.
"صوت السقوط Sound of Falling" تدور أحداثه في مزرعة ألمانية على مدار أربعة عقود زمنية مختلفة، تعيش خلال كل منها أسرة داخل المزرعة، ثلاثة منها ندرك ارتباطها بعلاقات عائلية، بينما الرابعة الحديثة انتقلت لتعيش في المكان نفسه، وهو اختيار يعكس قدر الحرية التي تعاملت فيه المخرجة مع موضوعها، فلم تلزم نفسها بنسق محدد في نسج العلاقات، ولا حتى في التنقل بين المستويات الزمنية.
تنتقل شيلنسكي بديناميكية بين العصور، لتنسج لوحة هادئة، كابوسية أحيانًا، جوهرها الضغوط الدائمة التي عاشتها السيدات داخل هذه المزرعة التي تكاد تكون نموذجًا مصغرًا للتاريخ الأوروبي بأكمله، لكن دون أن تتحول الشخصيات رموزًا، وإنما مجرد باحثات عن السعادة والاتزان النفسي، وهي غاية تبدو في كثير من الأحيان عسيرة وبعيدة المنال، لدرجة أن يكون "صوت السقوط" معتادًا في تلك البقعة من العالم.
يحتاج الفيلم صبرًا في المشاهدة، وحالة مزاجية خاصة يمكن من خلالها إدراك الربط المتأني بين الخطوط والحكايات. فيلم لا يلقي بكروته سريعًا، وإنما تحتفظ بها المخرجة لتكشفها واحدًا تلو الآخر، حتى تصل بالمُشاهد إلى لحظة تمتلك فيها انتباهه الكامل، يمكن عندها الاستمتاع بلحظات استنارة مُشبعة، ربما كانت المحرك الرئيسي لقرار لجنة جوليت بينوش بتقسيم جائزتها الخاصة كي ينال الفيلم ما يستحق من تقدير.
اقرأ أيضا:
ملك أحمد زاهر تلفت الأنظار بإطلالة تجمع بين البساطة والأناقة في أحدث ظهور
آية سماحة تزور مشيرة إسماعيل في منزلها برفقة أشرف زكي وكريم فهمي (صور)
وفاة سارة الغامدي بعد معاناة مع السرطان
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5