* د.أحمد مجدي ناقد وعضو هيئة تدريس بقسم الدراما والنقد المسرحي بكلية الآداب جامعة عين شمس
تعود أيريس (تلعب دورها Sophie Thatcher) بذاكرتها عندما التقت أول مرة برفيق عمرها جوش (يلعب دوره Jack Quaid)، وذلك عندما كانت تقوم بشراء الفاكهة من السوق التجاري. لم تتمالك نفسها حينما رأت الشاب الوسيم، وهي تتحسس قطعة من قطع فاكهة الخوخ بألوانها البرتقالي والأحمر الزاهية. يشاهد الجمهور لقطة قريبة Close لوجه أيريس في هذه اللحظة وهي تبتسم لجوش وهو يفعل ذلك بدوره، قبل أن يقوم تحت وطأة التوتر الذي ينتابه في هذه اللحظة بالاصطدام برف فاكهة البرتقال، ويُسقط مجموعة كبيرة منه، فتساعده أيريس على تجميعها، وتبدأ قصة الحب من هنا، لتبدو بداية مثالية لذكرى لقائهما الأول في جو مغلف بالأحلام ورائحة الفواكه قبل أن تتحول هذه الرائحة إلى رائحة دماء، تكشف أنها الخيط الأول لجريمة مدبرة من جوش للحصول على مكاسب سريعة.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
سوف تصاب عزيزي القارئ بدهشة كبيرة عندما تعرف أن أيريس في فيلم ("رفقة" companion) ليست بشرًا من الأساس بل أنها روبوت جنسي قام جوش بشرائه في وقت سابق حتى تكون رفيقته الروبوتية، ويتمكن من استغلالها جنسيًا أي وقت. والمشهد الأول الذي تسترجع فيه أيريس قصة التقاؤهما سويًا لم يكن سوى تفاصيل قام جوش في بداية تشغيل أيريس بتزويدها بها، حتى تعتقد أنها كائنة بشرية، تحمل ذكريات لقصة حب معه منذ زمن بعيد، وذلك للتأثير عليها وجعلها تطيع أوامره، عبر إيهامها أنه يحبها.
ولم يتوقف تفكيره الشيطاني إلى ذلك الحد، بل أنه من أجل الحصول على المكسب السريع، يتم دعوته من مجموعة من أصدقائه ومن عشيقته البشرية "كيت" لقضاء عطلة في منزل أحد أصدقائها الأغنياء، فيتفق مع كيت على توريط أيريس في حادثة قتل ذلك الصديق، حتى يحصل هو وكيت على أمواله المخبئة داخل خزانة في المنزل. وبالفعل يصطحب جوش أيريس إلى المكان بعد أن قام بمحو تدابير السلامة داخل البرمجة الخاصة بها، التي تمنعها من إيذاء أي شخص، ثم يتركها بشكل متعمد وحيدة مع صديق كيت الذي يحاول اغتصابها لمعرفته أنها روبوت جنسي، فتدافع أيريس عن نفسها وتقتل الصديق، ومن هنا تكتشف الوجه الآخر لجوش الذي قام باستغلالها من أجل قتل صديق كيت، وتبدأ المطاردة بينهما، وفي ثنايا ذلك تموت كيت وأصدقاء جوش، قبل أن تقوم أيريس في نهاية الأحداث بقتل جوش دفاعًا عن نفسها، والخروج إلى عالم البشر والهروب من عباءة جوش.
يوجه الفيلم أصابع الاتهام بقوة إلى الإنسان وليس الروبوت نفسه، حيث أن مع الأحداث نكتشف أن تطلعات جوش ورسم شخصيته بذلك الشكل الوصولي، الذي يتخذ مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، يُظهِر حقيقة أن النبل والصفات الإنسانية قد لا تتوفر في البعض لمجرد أنهم بشر، بل بالعكس تظهر داخل أيريس هذه الجوانب الإنسانية الحالمة، وذلك بتمسكها بحبها لآخر رمق، حيث أنها تقتل صديق كيت المتحرش، دفاعًا عن حبها لجوش. ولكنها لم تكن تعرف بالطبع أن جوش هو الوحش الحقيقي الذي ألقى بها لذلك الوحش الآخر، بغرض السطو على أمواله بعد موته.
يتقمص هنا جوش دور الإله الذي يتحكم في مصائر الآخرين ويعبث ببرمجة أيريس حتى يحولها إلى آلة قتل يسهل توريطها في مخططه المشبوه، استغلالا لخوف الناس من بعض الروبوتات المتقدمة أو الشبيهة بالبشر، فعلى الأرجح عندما يقوم بالاتصال بمراكز الشرطة ويبلغهم بجريمة القتل، لن يتعاطف أي شخص مع الروبوت ويصدق أنه تم التلاعب ببرمجته حتى يقوم بفعل الجريمة. فبعد اختراع الروبوتات الاجتماعية المتقدمة Advanced Robots (روبوتات تساعد الناس في بعض الأعمال اليومية، ولها صفات وسمات محاكية البشر من حيث الإنفعالات والشكل الخارجي) في حياتنا الواقعية انقسمت الآراء إلى فريقين؛ فريق يناصر الروبوتات ويرى أنها التطور الحضاري والتقني الكبير للبشر. بينما يرى أنصار الفريق الآخر أنها سوف تتسبب في فناء الجنس البشري في تشابه مع أفلام تتناول فكرة ديستوبيا التكنولوجيا؛ مثل فيلم المدمر The Terminator للممثل العالمي أرنولد شوارزنجر وإخراج جيمس كاميرون، والذي كان يستعرض فيه عالمًا من الروبوتات، تنقلب على البشر وتتسبب في إبادتهم.
يحمل الفيلم هنا رؤية مختلفة وهي؛ أن الروبوتات كيانات قد تتسم ببعض مظاهر الحياة، ومن المفترض أن يتم التعامل معها مثل الإنسان، ومراعاة بعض حقوقها، وليس أن نقوم باستغلالها جنسيًا. أن الوحش الحقيقي الذي من المفترض أن يرهبه الناس، هو الشخص المحرك للروبوتات والمُبرمج لها، وليس الروبوت نفسه، حيث تخضع عمليات برمجة الروبوتات إلى كثير من البرمجيات النابعة من توجهات الصانع نفسه، ومن ثم تتصرف بشكل محدد وفقًا للبرمجة المخصصة لها، فلم نصل بعد إلى فكرة الروبوتات الواعية التي قد تتمكن من عمل وصنع قرارات معينة بنفسها دون الرجوع لإنسان، ويبدو هنا أن أيريس مع الوقت ومع التجربة الأخيرة تتحول لهذا النوع من الروبوتات وتتطور بشكل كبير، ويزداد داخلها حافز البقاء الغريزي مثل الإنسان، وتقاتل حتى آخر لحظة لمحاولة الهرب من توريط جوش لها في قضية القتل.
ليشير صناع العمل إلى نقطة مهمة أن الوحش الحقيقي ليس ما نصنعه بل كيف نحركه ونديره ونستغله، وتنقلب الأوضاع بين البشر والروبوتات، وتصبح الأخيرة هي الضحية لخالقها، وليس العكس.
في النهاية ينجح الفيلم بقيادة مخرجه Drew Hancock في إثارة قضية مهمة وهي جعل المتفرج يتعاطف مع الروبوتات، وذلك من خلال شخصية أيريس الفتاة الجميلة التي تتحول رويدًا رويدًا إلى أن تتصرف بشكل يحاكي البشر، بدافع حبها وتعلقها بجوش والذكريات الإلكترونية المخزنة داخل ذاكرتها. وقد حاولت أن تطور من نفسها كيفما تتطور الكائنات البشرية، لتكون الحبيبة المثالية لجوش رغم أنها ليست من لحم ودم، ولكنها تقاسي عواقب حبها الكبير لهذا البشري الذي يقرر استغلال قدراتها لصالح مخططاته الشخصية. لكي تنقلب الأوضاع ويتحول الصراع في النهاية إلى صراع بين إنسان بمشاعر جامدة، وروبوت بمشاعر مرهفة وحالمة لا تمت للتصور الديستوبي لأفلام الخيال العلمي عن الروبوتات.
اقرأ أيضا:
إيمان العاصي وانتصار ولوسي من بينهم ... مهرجان المركز الكاثوليكي يكرم نجوم الفن والإعلام
هشام ماجد: أنا ومصطفى غريب قعدنا نضحك طول مسلسل "أشغال شقة جدا" وأسما جلال خدت التريند بـ"في جيه"!...والنجمة ترد
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5