هذه التدوينة أكتبها في يوم عمل طويل. وممل. بسببها فقط، تحول إلى يوم حيّ. قد لا تجد في الترابط بين المشهد الأول والمشهد الذي أريده سوى رغبة خُلقت في ذهني لإعادة تفسير هذا المشهد الحميمي.
أو يمكن كمان بكتب التدوينة القصيرة السريعة دي علشان إنهاردة بنتهي من تحرير كتاب كنت مهتم جدًا بالعمل عليه. إحساس جميل معتقدش يقل حاجة عن تأليف الكتاب نفسه. أو لأخذ نفس من مهام عمل لا أريدها أبدًا. المهم أنها جزء من تدوينات مختلفة تسعى للمشاركة مع من أحبهم.
في مشهد افتتاحية واحد من أجمل أفلام الدورة دي من مهرجان الأفلام السعودي بعد فيلم "أناشيد آدم" الأجمل. البطل بيمسك مسدسه وبيقتل، بعدين بيلف ضهره دون مبالاة أبدًا وهو بيقول "مات اللي أغلى منك". المشهد دا هو مفتتح كتابتي عن الفيلم اللي ينشر لاحقًا. لكنه بيشير إلى إنسان بيقرر في لحظة اختيار متحرر تمامًا إنه يقف على جانب ذاتي من نفسه مقابل العالم.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
المشهد خلّاني افتكرت مشهد من مشاهدي المفضّلة. مفتكرش عمري شفت المشهد دا ومتأثرتش جدًا. واحد من أفضل المشاهد اللي بحبها في حياتي من فيلم "اللي بالي بالك". يمكن كل القريبين منّي يعرفوا أد إيه بحب مشوار محمد سعد: نجمي الكوميدي المفضل. في فيلم "اللي بالي بالك"، رحلة هذا البطل الطيب الشريف المسكين ابن الحظ العاثر الذي يتشبث بأي شيء يجعله في حياة هادئة رغم عدم موافقة القدر، غير ملتفت لأي مغريات، مهما كانت. بيظهر سؤال بيفضل مستمر معايا كل مرة أفتكر الفيلم، وهو سبب الكتابة دي.
في آخر المشاهد بيفوق اللمبي وبيعرف حقيقة لعبة وجوده مكان رياض المنفلوطي. بيروح للسجن علشان يشوف تبديل المسجون اللي أدهم قابض بسببه. هو المشهد دا. المشهد متصوّر حلو أوي. بيتكلم فيه حسني حسني من تحت بشكل وضيع باصص للمبي اللي واقف فوق ع السلّم بقوة معرفته للحقيقة. في اللحظة اللي بيكتشف فيها إنه مفيش أمل خالص في إغراء اللمبي، بيطلع السلّم واحدة واحدة وبيقوله "الورق كله عليه إمضتك يعني هتشرف في السجن يعني هتشرف في السجن". وقتها بيكون واقف في مواجهته مع آخر كارت دفاعي وهجومي وبتظهر ابتسامته الوحيدة طول المشهد قبل وبعد الكلمتين. ابتسامة ثقة إنه احنا واحد. مش أنا لوحدي اللي هتسجن، مش أنا لوحدي اللي زبالة، على الأٌقل دلوقتي.
أجمل ما في المشهد هو هذه البساطة وعدم الاستعراض التقني والكتابي. محمد سعد لا يتردد لحظة واحدة في إنه يقوله يامي يامي يامي يامي تصدق اتفزعت منك وركبي بتخبّط على الجيران... أحب أطمنك يا سعادة الباشا إنه أنا مولود في السجن من أيام ما كان فيه زنزانة للناشئين. هي دي الملحمة من الأسئلة اللي بتظهر في كل موقف زي ما ظهرتلي دلوقتي.
رعب. يا أخي كام لحظة الواحد عنده فيها القدرة بالتباهي بأسوأ تجاربه البشرية! كام دقيقة في كل حياتنا ممكن تيجي فرصة زي دي تتحول فيها أسوأ كوابيس الماضي لموضع قوة مرعبة. أصل هتراهن ضد واحد خسران كل حاجة إزاي! هتتحدى واحد بايع الحاجات بأي شكل! بيبدأ يوطى صوت أدهم تاني لغاية ما توصل للحظة إنه اللمبي/ رياض البنطلوني بيقوله مش عايز فلوس عاوز يبقى محترم.
نِفسُه. عاش طول عمره صعلوك إجباري محسّش أد إيه دي حاجة حلوة غير اللحظة دي. أنا فاكر أول مرة حبيت جالي الشعور دا: إنه دلوقتي الدنيا تمام ممكن أموت كمان تلت ساعة عادي. بقى فيه حاجة ليها معنى. وقتها حسن حسني بيقرر يعلّي صوته بشكل مسرحي تاني ويقوله غبببببي، احترام إيه يا ابني، أنا قدامك أهه. هو هنا بيبقى هي هي نفس اللحظة، هي سبب صمت السنين.
الاتنين غطسانين جوّا لحظة بعينها. كاشفة لسنين من التقديم المتأخر جدًا. كل مرة أشوف المشهد تقريبًا أعيط. أتأثر إنه ممكن الواحد في لحظة واحدة من الغضب أو الاحتياج يتحول لأوسخ إنسان هو يعرفه. أوسخ نسخة بشرية لإن ممارسة الحقارة بعد المعرفة مفيش معاها أي أمل في إقناع الإنسان بالعكس تاني. أصل هتقوله إيه دا فاسد بوعي تام. نسخة ناوية تعمل أي شيء وتطنش كل حاجة سيئة حواليها.
تدافع عن الحوش اللي ماليين المكاتب ومتحكمين في إنتاج وخروج الركاكة اللي متسمّية فن. ويتجاهل ناس هو عارف إنهم ساكتين ومحترمين نفسهم لمجرد إحساسه إنهم ضعفا ظاهريًا. يسقف للجنون لمجرد نجاحه مهما كانت أسباب وسياقات النجاح دا. ويصاحب الجهلة علشان يفضل موجود. أصل عادي يعني مجتش عليه، شوية تطنيش الدنيا تمشي.
الحقيقة إنه عمل الحاجات دي في ذاتها مش ملفتة أبدًا. هو مؤثر علشان أدهم بيعمل كل دا بعد سنين من احترامه لنفسه. فجأة اكتشف إنه الاحترام كان المفروض يبقى فيه أدامه مقابل، وإنه في آخر الوقت قرر يبقى حقير حتى لو هيبقى على حساب سنين طويلة من احترامه لنفسه وللي يعرفهم. مفيش رعب أكبر من إنه الإنسان يفضل في اختبار بيدفع ضريبته باستمرار لو عاوز يبقى محترم. قدام نفسه قبل ما يبقى قدام أي حد تاني.
مع الوقت اكتشفت إنه الفيلم دا هو أكبر اختبار لسؤال سفينة ثيسيوس الفلسفي الشهير. دي مشكلة أزّمت الفلاسفة من بداية ظهورها لغاية دلوقتي. ثيسيوس بطل إغريقي هُمام من أهم مؤسسي مدينة أثينا. بعد موته أهل المدينة بيقرروا يحتفظوا بسفينته في متحف تخليدًا لذكراه. الزمن بيعدّي والحب بيتنسي، وألواح السفينة نفسها بتقدم، فكان الناس بتبدّل الألواح علشان تفضل السفينة شكلها جديد قادر على الاستمرار.
الفلاسفة بيبتدوا يسألوا هل أصبح ينفع نقول على السفينة دي أساسًا إنه ثيسيوس؟ أرسطو في بعض كتاباته اللي لسا مش بفهمها بيقرر يقسم الحلول لأربعة وهو بيقول إنه ماهية الأشياء من أربع: العامل المادي: المصنوع منه الأشياء. والعامل البنائي: الشكل العام. والعامل الفعّال: كل ما ساعد في خلق الشيء. العامل النهائي: الغرض الذي خلق الشيء من أجله. وبعدها بيقول إنه أهم هذه العوامل هو العامل البنائي.
ووفقًا لأرسطو السفينة المرممة التي لا زالت تحتفظ بشكلها فهي سفينة ثيسيوس حتى لو جابولها خشب من أركان أو من عم محمد من روض الفرج.
بعد أرسطو لسنين، محبين الفلسفة بيظهرلهم كل فترة واحد يكتب الحدوتة ويقول رأيه المختلف تمامًا عن أرسطو، واللي بيكون فيه وجاهة بردو، لكن مؤخرًا ظهر الراجل اللي ناس كتير من المهتمين بالفلسفة نقلوا كلامه الكول. وهو إننا أساسًا بنتكلم غلط عن السفينة، علشان محدش عنده تعريف واضح إيه هي سفينة ثيسيوس أساسًا.
وبشكل عام ذواتنا وذوات الآخرين تعريفها بييجي من انطباعات الآخرين الذاتية عننا. وبالتالي هويتنا وهم. الكلام دا وقت ما اتنقل كتير كنت ببقى متضايق شوية من جوايا. مش بس لإني مش حاسس بيه، لإني شايفه جريمة. لأسباب مش مهمة أوي هنا.
الأكيد إنه نموذج اللمبي/ أدهم هنا هو جزء من السؤال واللي إجابته بالنسبة لي إنه الهوية اختيار شخصي في لحظة واعية تمامًا بالنتيجة والعقاب، اختيار واعي بالمواجهة رغم الهزيمة المتحققة المنطقية. ممكن يعدّي جنبك شخص لم يحصل على أي فرص للتعلم أو الترقي أو التربية، بينما في لحظة إدراك يختار يبقى إنسان شريف. مش الوجاهة اللي بتتصور بعدها ع الإنسجرام، لكنها الكرامة اللي بتدمر مستقبلك. اختيار حر وجريء وشديد الذكاء. هو نفس الاختيار اللي خلّى بطل يقتل علشان مفيش أغلى م اللي مات خلّى اللمبي يرمي نفسه في الخطر علشان مفيش أغلى م اللي مات. الخسارة المرعبة بتحوّل الناس لوحوش ساعات بتبقى دنيئة وساعات بتبقى أجمل ناس ممكن تعيش علشان تبقى زيهم.
علشان أسباب كتير ممكن ييجي وقت تاني للفضفضة فيها، لكن من بينها دا، اللمبي بطل إغريقي ملهم، وذكي في حدود المتاح، وبسيط لدرجة مستفزّة. وخفيف الظل بدرجة تشفع له أي حماقة أخرى. أنا أحب اللمبي، وأحب من يحب اللمبي.
اقرأ أيضا:
مي عمر ومحمد سامي وعنبة وعمرو يوسف وصلاح عبد الله وطه دسوقي في عزاء سليمان عيد
فيديو - صلاح عبد الله يكشف سبب انهياره في جنازة سليمان عيد: شريط الذكريات وجع دماغي
توفي في عربة الأسعاف ... اللحظات الأخيرة في حياة سليمان عيد
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5