اختتمت فاعليات مهرجان برلين السينمائي الدولي الخامس والسبعين قبل أيام، بإعلان الفائزين بجوائز المهرجان المختلفة، وعلى رأسها الدب الذهبي الذي ذهب لأول مرة في التاريخ إلى صانع أفلام نرويجي.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
لجنة تحكيم المسابقة الدولية التي رأسها المخرج الأمريكي تود هاينس وزعت ثماني جوائز على ثمانية أفلام من بين 19 تنافست في المسابقة. نحاول في هذا المقال النظر إلى الفائزين الثمانية، وتقييم مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع قرار لجنة التحكيم في كل جائزة.
الدب الذهبي وجائزة فيبريسي: أحلام (جنس حب) – النرويج
في يوم واحد تغيرت حياة المخرج النرويجي داج يوهان هاوجيرود كليًا، من روائي تحوّل صانع أفلام متوسط النجاح، إلى مخرج جمع الدب الذهبي مع جائزة الإتحاد الدولي للنقاد، أي اجتمع على الإعجاب بفيلمه صناع السينما ونقادها. "أحلام (جنس حب) Dreams (Sex Love)" هو الجزء الثالث من ثلاثية عن العلاقات في العالم المعاصر، أجزاءها مستقلة بذاتها تمامًا، فيما عدا التيمة العامة.
يوهان مراهقة تكتشف متعة القراءة والكتابة، تسجل يومياتها لترصد وقوعها في حب مُعلمتها الشابة يوهانا وتجاوب المعلمة مع ذلك الإعجاب. تقرأ جدتها الشاعرة ما كتبته فتجده نصًا أدبيًا بديعًا يستحق النشر، لتنطلق المعضلة الأخلاقية: كيف يمكن التعامل مع ما كتبته الفتاة؟ وهل هي أحداث حقيقية تستوجب التحقيق مع المعلمة؟ أم هو الخيال الإبداعي للفتاة الموهوبة؟
يلامس الفيلم أفكارًا كارتباك الحب الأول، والحميمية، والإبداع، والأمومة، والتعقد الأخلاقي للتعامل مع مراهقي العالم المعاصر. سيناريو مكتوب بحس روائي يمنح شخصياته حضورًا راسخًا في الواقع، ويدفع المشاهد للتفاعل بإيجابية مع ما يطرحه الفيلم الصغير من أفكار كبيرة جعلته يستحق ذلك الاحتفاء الكبير في برليناله 75.
جائزة لجنة التحكيم الكبرى: الطريق الأزرق – البرازيل
من الصفوف الخلفية أيضًا جاء البرازيلي جابريل ماسكارو ليفاجئ الجميع بفيلم رقيق كان في قائمة تفضيلات كل من تحدثت معهم من حضور المهرجان، ناهيك عن تصدره قائمة نقاد مجلة سكرين إنترناشونال بحصوله على متوسط تقييم 3.4 درجات من أربعة، وهو تقييم مرتفع جدًا نادرًا ما يحصل عليه أحد الأفلام.
يروي "الطريق الأزرق The Blur Trial" امرأة عجوز بلغت سن التقاعد، لكنها مجبرة على العمل كي تواصل حياتها في مستقبل قريب ذي طابع ديستوبي، تقرر الحكومة البرازيلية فيه إجبار كل من بلغ سن التقاعد على الإقامة الجبرية داخل ملاجئ حكومية من أجل دفع المواطنين للتركيز على العمل والإنتاجية. تحاول المرأة تحقيق حلم أخير لطالما امتلكته: أن تركب طائرة مرة واحدة قبل أن تموت، وعندما تجد كل الطرق الرسمية مغلقة في وجهها بسبب العمر، تتفق مع قائد مركب نقل بضائع أن يقلها سرًا إلى وجهة يمكنها فيها ركوب طائرة.
لا يفقد ماسكارو أبدًا النبرة التي اختارها لفيلمه، والتي تحمل قدرًا بسيطًا من الخيال العلمي والكوميديا، لكنها لا تندفع أبدًا تجاه أيهما. فقط تأخذ منهما ما يجعل القصة مقنعة وما يجعلنا نقع في حب تلك المرأة، التي لم تكن لتفكر أبدًا في أن تصير خارجة عن القانون أو أن تدخل مغامرة مثل هذه، لكن قرار السلطة بأن حياتها لم تعد ذات قيمة هو ما دفعها إلى هذا الطريق الأزرق، الذي تكوّن فيه روابط مؤثرة، سواء من البحار أو مع امرأة غريبة الأطوار تقابلها في الطريق فتساعدها في اكتشاف المزيد عن نفسها.
جائزة لجنة التحكيم الخاصة: الرسالة – الأرجنتين
منحت لجنة تود هاينس جائزتاها الخاصتين إلى الفيلمين اللاتينيين في المسابقة، مستبعدين الفيلم الثالث وهو حكاية ميشيل فرانكو عن مهاجر مكسيكي غير شرعي يصطدم بخطط حبيبته الأمريكية الثرية، وهو فيلم يطرح أفكار كبيرة عن توازنات القوى الإنسانية والاقتصادية والسياسية بين الدولتين الجارتين وسكانهما، لكن لجنة التحكيم قررت عمومًا الابتعاد عن الأفكار والقضايا الكبرى في اختياراتها للجوائز.
على النقيض جاء "الرسالة The Message" للمخرج إيفان فاند، فيلم خارج حسابات السياسة والزمن، يُمكن أن يحدث في أي مكان أو زمان طالما حضر البشر، بهوسهم الدائم بالمعجزات، ورغبتهم في تبني الشق الأسطوري للحياة، والمتمثل هنا في شخصية فتاة صغيرة تمتلك -أو تدعي امتلاك- قدرة على التواصل مع الحيوانات. للدقة، لا تدعي الطفلة ذلك، وإنما الرجل والمرأة المصاحبين لها، واللذان يحولان تلك القدرة أو الموهبة إلى مصدر رزق المجموعة التي تنتقل عبر الريف الأرجنتيني في منزل متحرك.
يقدم إيفان فاند عملًا تأمليًا، يترك فيه الكثير من مساحات الصمت التي نراقب فيها الشخصيات، والكثير من الفراغات في القصة، المتروكة كي يملأها المشاهد بتصوراته عن طبيعة العلاقة التي تربط هؤلاء البشر وتدفعهم للتحرك معًا والتصرف بهذه الصورة. عمل يختبر صبر من يريد متابعة قصة واضحة، ويتحدث بهدوء مع من يرضى بما يُحدثه العمل من حالة شعورية خاصة.
جائزة أحسن إخراج: عيش الأرض – الصين
إعادة الخلق كانت سببًا لتميز المخرج الصيني هو مينج الذي جعل فيلمه "عيش الأرض Living the Land" ينال جائزة أحسن إخراج، والتي تمنحها لجان التحكيم عادة لمخرج وجدوا فإنجازه البصري قيمة خاصة. القيمة هنا هي تقديم صورة سينمائية واقعية وقابلة للتصديق للمجتمع الزراعي الصيني في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
سياسة الطفل الواحد لا تزال قائمة لكن الريف يتعامل معها بأريحية أكبر من سكان المدينة، فالعمل القروي يحتاج تاريخيًا لكثير من الأيدي كي تساعد في الزراعة. لكن مع مطلع التسعينيات بدأت المنطقة تشهد متغيرات سبقها إليها الغرب قبل عقدين أو أكثر، لكنها بدأت تجتاح الريف الصيني: الميكنة تسود كل مراحل الزراعة، وبالتالي الحاجة للمزارعين تقل. الأسر تهاجر من الريف إلى المدينة بحثًا عن مستقبل أفضل، وبعضهم يترك أطفاله وراءه. والأعراف الاجتماعية التي حكمت تلك القرى طوال عقود آخذة في التحلل بحكم العالم المتغير والذي لا يمكن لأي مقاومة أن تمنعه أو تقف في طريقه.
يعرض مينج دراما بانورامية في حياة سكان القرية، داخل أسرة واحدة تتضمن عدة أجيال، ويرتبط أفرادها بعلاقات صداقة وحب ومصاهرة مع جيرانهم. لوحة فسيفساء درامية وتاريخية يقدمها المخرج، مذكرًا إيانا أن بداية التسعينيات صارت حقًا حقبة تاريخية.
جائزة أحسن تمثيل: روز بايرن عن فيلم "لو كان لدي أرجل لركلتك" – الولايات المتحدة
منذ عدة سنوات ألغى برليناله تقسيم جوائز التمثيل للرجال والنساء، واكتفي بجائزة موحدة لأحسن تمثيل ومثلها لأحسن دور داعم. اختيار لجنة التحكيم جاء مرضيًا للجميع، وربما محبطًا لاكتفاء فيلم المخرجة الأمريكية ماري برونشتاين "لو كان لدي أرجل لركلتك If I Had Legs I'd Kick You" بتلك الجائزة، بينما كان البعض يراه أحق بالدب الذهبي.
دراما نفسية ثقيلة تعيشها البطلة، المعالجة النفسية التي تتكالب عليها المصائب: ابنتها مصابة بمرض نادر وعليها رعايتها بشكل مستمر، زوجها مسافر دائمًا ولا يكاد يقدم أي عون، سقف بيتها انهار بشكل مفاجئ فاضطرت لنقل حياتها إلى موتيل صغير لحين حل الأزمة، ثم قرار مفاجئ تأخذه إحدى مريضاتها يضعها أمام المزيد من الضغوط. لتمثل أحداث الفيلم التي تدور خلال عدة أيام صورة شديدة التكثيف لمعاناة المرأة في العالم المعاصر، وسط التزامات لا تنتهي تجاه كل من حولها.
تبرع النجمة روز بايرن في تجسيد دور يختلف عن الأدوار الخفيفة التي عرفها العالم من خلالها. أبرز تحديات الدور هو كونه دورًا انقباضيًا، يضع الممثلة تحت الضغط والشد العصبي من البداية للنهاية، دون لحظات للهدوء أو التقاط الأنفاس أو استعادة بعض الاتزان. الفيلم يقوم أساسًا على غياب هذا الاتزان، لذلك كان على بطلته أم تحافظ على انضباط الأداء وتنويعاته بين المتوتر والأكثر توترًا، وهو ما نجحت فيه ببراعة جعلتها تستحق الجائزة عن جدارة.
جائزة أحسن تمثيل داعم: أندرو سكوت عن فيلم "قمر أزرق" – الولايات المتحدة
لا يمكن القول بأن تلك الجائزة منطقية ومقنعة كجائزة التمثيل، ربما لأن قرار المهرجان بتعديل نظام الجوائز في حد ذاته يصعب أن يُنتج اختيارات جيدة في هذه الفئة. فبين 18 فيلم روائي طويل كم منها يُمكن أن يضم أداءً يستحق الفوز في دور داعم؟ وإذا حدث وأعجبت اللجنة بالفيلم بصورة تجعلها تمنحه إحدى الجوائز الرئيسية فيتوجب عليها منح جوائز التمثيل لأفلام أخرى وفق اللائحة، فربما كان ممثلو دور العمة وزوجها في "الرسالة" أحق بتلك الجائزة.
لجنة التحكيم اختارت الممثل الأمريكي أندرو سكوت الذي يبدو ظهوره في فيلم المخرج ريتشارد لينكلاتر "قمر أزرق Blue Moon" أقرب للظهور الشرفي من أي شيء آخر. بطل الحكاية هو النجم إيثان هوك، الذي يجسد دور مؤلف الأغاني الشهير لاري هارت، الذي يعيش واحدة من آخر لياليه في الحياة، بعدما انفصل عن شريكه الفني الملحن ريتشارد رودجرز، وحضر للتو عرض "أوكلاهوما!" المسرحي ليُدرك أن شريكه سيحقق بعد انفصاله نجاحًا لم يقتربا منه خلال عملهما معًا.
يبرع هوك في أداء الشخصية التي تجمع بين الذكاء وخفة الظل والشعور بالغبن والعصاب، بينما يظهر سكوت الذي يجسد شخصية رودجرز لعدة دقائق يزور خلالها الحانة التي يقضي شريكه السابق الليلة فيها. يبدو أداء سكوت جيدًا ودون أي ملاحظات، لكنه لا يحمل امتيازًا خاصًا يجعله يستحق دبًا فضيًا، على الأقل في نظر كاتب السطور.
جائزة أحسن سيناريو: كونتنينتال 25 – رومانيا
عندما صعد المخرج الروماني رادو جود لاستلام الجائزة عن أحدث أفلامه "كونتينتال 25 Kontinental '25" قال مازحًا إنها جائزة كوميدية لأنه لا يجيد كتابة السيناريو. تعليق يبدو مدخلًا ملائمًا لانتقاد لجنة تحكيم منحت جائزة السيناريو لمخرج يعترف بأنه لا يجيد كتابة النصوص السينمائية. لكن الحقيقة إنه اختيار ذكي وفي محله تمامًا، حتى لو اقتنع جود بالعكس.
قد لا يكون الفيلم – مثل أغلب أفلام صانعه – معتمدًا على سيناريو مكتوب بإحكام على الطريقة الكلاسيكية، وقد يكون قد ارتكن كثيرًا للارتجال، خاصة في تتابع لقاء البطلة بتلميذها السابق الذي يستغرق ثلث زمن الفيلم تقريبًا، لكن عندما نقول أحسن سيناريو يجب ألا نفكر في أحسن نص تمت كتابته على الورق، وإنما أحسن سيناريو شاهدناه على الشاشة، حتى لو تضمن الكثير من الارتجال والسرد الحر، فكلها في النهاية أدوات أصيلة للمخرج.
معلمة قانون سابقة تعمل في تنفيذ الأحكام، تُخبر رجل مُشرد بضرورة ترك الغرفة التي يسكنها، وتعود في نهاية اليوم لتجد الرجل قد شنق نفسه، لتدخل في حالة عميقة من الشعور بالذنب والتساؤل حول جدوى النظام القانوني الذي تُدرّسه وتُنفذه، وهل الهدف هو تنفيذه بعيدًا عن الأغراض التي وضع البشر القوانين من أجلها في بداية التاريخ. وكعادة أفلام رادو جود، ينسج صانع الأفلام الماهر معالجة غير متوقعة لأزمة البطلة النفسية، يقوم من خلالها بنصب محاكمة معاصرة لحياة البشر في رومانيا المعاصرة. قد لا يكون "كونتنينتال 25" هو أفضل أفلام صانعه، لكنه بالتأكيد تضمن سيناريو يستحق الانتباه.
جائزة الإسهام الفني: فريق فيلم "البرج الثلجي" – فرنسا
أقل القرارات إقناعا هو منح جائزة الإسهام الفني لكامل فريق فيلم المخرجة لوسيل هادخليلوفيتش "البرج الثلجي The Ice Tower". الجائزة تمنح عادة لعنصر واحد من عناصر الفيلم تجد اللجنة فيه ما يستحق التكريم، التصوير مثلًا أو المونتاج، لكن منح الجائزة لفريق فيلم بأكمله يبدو رغبة في إضافة جائزة ومنحها للمخرجة الفرنسية.
يروي الفيلم قصة علاقة يصعب تعريفها، تنشأ بين فتاة مشردة تلجأ إلى ستوديو سينمائي لتنام فيه، ثم تجد لنفسها دورًا داخل فريق تصوير فيلم بعنوان "البرج الثلجي"، تلعب بطولته نجمة شهيرة تعاني من أزمة نفسية حادة في تعاملها مع مهنتها ومع العالم. لتدخل المرأتين المختلفتين في العمر والحال تلك العلاقة التي تفسرها كل واحدة منهما بصورة مختلفة.
في الفيلم محاولة للسرد بشكل مغاير، مع تأثر واضح بالكثير من الأفلام الكلاسيكية في الموضوع والشكل. فيلم فيه بالفعل محاولة جادة لصناعة فيلم مختلف إبداعيًا، لكن يصعب القول بأن المحاولة أسفرت عن نتائج ملموسة. ربما هذا الالتباس هو ما دفع اللجنة لمنحه الجائزة وتوجيهها لكافة فريق الفيلم.
اقرأ أيضا:
إيناس الدغيدي ترد على ميار الببلاوي: هذا الكائن لما عملت "ديسكو ديسكو" مكانش لها وجود على الساحة
إياد نصار: أختي واجهت تحديات في دخول التمثيل منها الحجاب
رامز جلال ساخرا من أحمد فهمي في "رامز إيلون مصر": ملك الإفيهات الحمضانة ... بيتجوز على روحه
الحلقة الثانية من "حكيم باشا" ... انفجار سيارة مصطفى شعبان
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5