ما الذي يدفع شاب في مقتبل العمر، لديه عدد لا نهائي من الفرص في المستقبل، أن يترك كل شيء ويرحل بعيدًا في مهمة يعلم أن نهايتها الأقرب هي الموت؟ الإجابة المختصرة هي التطرف الديني، لكن الإجابة الوافية هي كل ما يحاول تحليل أسباب لجوء الشباب اللي التطرف، بغض النظر عن اسم هذا الدين أو شكل المهمة التي يخرج فيها الشاب.
تظهر هذه التيمة بوضوح في أفلام مهرجان صندانس السينمائي الجاري حاليًا في مدينتي بارك سيتي وسولت ليك سيتي بولاية يوتاه الأمريكية، والذي عرض فيلمين يمكن بسهولة وضعهما في سياق واحد يتعلق بالسؤال في بداية المقال، بالرغم من اختلاف الحكايتين كليًا، سواء في مكان وقوعهما، أو طبيعة أبطالهما، أو الدين موضوع الحدث، أو في مسيرة المخرج صانع الفيلم.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
عرائس هاربات
الفيلم البريطاني "عرائس Brides" هو العمل الطويل الأول لمخرجته ناديه فال بعد خبرة طويلة في المسرح، شاركتها في كاتبة السيناريو سهيلة البُشرى، وكلاهما بريطانية من أصول آسيوية مسلمة، ليقدما معًا في الفيلم المعروض في المسابقة الدرامية الدولية معالجة متخيلة لموقف تكرر كثيرًا خلال العقد الأخير، وهو هروب مراهقات بريطانيات مسلمات بهدف الذهاب إلى سوريا والانضمام إلى تنظيم داعش.
لا يذكر الفيلم اسم التنظيم أبدًا، بل لا يذكر المقصود بعنوانه والذي نفهمه ضمنًا بأنه يشير للدور المتوقع للبطلتين إذا ما نجحت رحلتهما ووصلتا بالفعل إلى سوريا. لكن المخرجة تهتم بالتركيز على بطلتيها: فتاتان مسلمتان في المدرسة الثانوية، إحداهما من أصل صومالي والثانية من أصل باكستاني، تتخذان قرارًا مفاجئًا بالهرب من كل شيء والخروج في تلك الرحلة نحو الأراضي التركية ومنها إلى الحدود السورية.
أغلب أحداث الفيلم تدور في تركيا، وتحديدًا في العاصمة إسطنبول، حيث تجد الفتاتان نفسهما لأول مرة تختبران هذا القدر من الحرية المصحوبة بالترقب لتحقيق تلك الرحلة التي لا يبدو عليهما أنهما تعرفان أي شيء عن تفاصيلها، فقط حلم كبير بالهرب من واقعهم الذي يعرضه الفيلم في مشاهد فلاش باك متعددة، نفهم منها ما قاد كلًا منهما إلى هذه النقطة.
أزمات الجذور
دو ذات الأصول الصومالية وصلت إلى بريطانيا في سن الثالثة، لكن الكل يتعامل معها باعتبارها مهاجرة وصلت للتو، ربما لأن والدتها تنخرط في حياة متحررة مع حبيب عنيف، مما دفع الفتاة الخجولة لمزيد من التحفظ واللجوء إلى الحجاب والانخراط في المجتمع الإسلامي في لندن. أما منى ذات الأصول الباكستانية فهي أقل التزامًا بالدين، لا ترتدي الحجاب، لكنها تكره حياتها وسط أسرة قاسية ومجتمع عنصري يُشعرها دائمًا باستحالة تقبلها كجزء عضوي منه، يضاف إلى ذلك شخصيتها الاندفاعية العنيفة، التي تجعلها المحرك الرئيسي لبداية الرحلة واستمرارها، رغم إنها لا يبدو عليها أي مظاهر للاهتمام بموضوعها كما يبدو على دو.
نشفق في كل لحظة على الفتاتين اللتين يبدو أنهما يمتلكان قدرات قد تصلح لأن يكون لهما مستقبل أفضل، حتى لو قامتا خلال زمن الفيلم بعدد ضخم من القرارات الخاطئة والانفعالية. لتحاول المخرجة ناديه فال أن تتجاوز الصورة الإعلامية السيئة للفتيات اللاتي اتخذن قرارًا مماثلًا، وتحليل ما يمكن أن يكون المحرك وراء قراراتهن: العنصرية والعنف المنزلي والتفكك الأسري. وهي قراءة تهوينية لا شك في ذلك، مما يجعل الفيلم مثارًا للإعجاب في بعض عناصره، وللانتقاد في بعضها الآخر.
من السينما التجارية
على العكس من فال التي تخرج فيلمها الأول، يحمل المخرج جوستن لين وراءه نجاحات سينمائية ضخمة، على الأقل على المستوى الجماهيري، فهو من أخرج خمسة أفلام من سلسلة سباقات السيارات الأشهر "سريع وغاضب Fast & Furious" وفيلم من سلسلة "ستار تريك Star Trek"، لكنه قبل ذلك كان مخرجًا أمريكيًا شابًا من أصول آسيوية، ظهر في مهرجان صندانس عام 2002 بفيلم "حظ أوفر غدًا Better Luck Tomorrow" ليلفت الأنظار لموهبته.
في فيلمه الجديد "أيام أخيرة Last Days" المعروض في قسم العروض الأولى Premieres، يتناول قصة حقيقية تمامًا، شغلت الرأي العام الأمريكي لفترة، هي قصة الشاب ذي الأصول الآسيوية جون تشاو، الذي كان في السادسة والعشرين من عمره عندما قرر أخذ قارب والاتجاه وحده إلى سكان جزيرة منعزلة في المحيط الهادي، تسكنها قبائل بدائية لا تعرف شيء عن الحضارة، كي يُبشرهم بالمسيحية، لتقوم القبيلة بقتله ولا يُعثر على جثته حتى يومنا هذا.
على الطريقة الهوليوودية، ينسج السيناريو الذي كتبه بين ريبلاي القصة في ثلاثة خطوط درامية متقاطعة: رحلة جون في المدينة الهندية الأقرب للجزيرة ومحاولاته الوصول إلى الجزيرة بطرق غير شرعية، فمن الممنوع الذهاب إليها حماية للحياة البيئية والثقافية فيها. الخط الثاني لضابطة الشرطة الهندية التي تتلقى إخطارًا باختفاء شاب أمريكي فتقرر التصدي للتحقيق ومحاولة الوصول له قبل أن يبدأ رحلته، أما الخط الثالث فهو مشاهد الفلاش باك التي ترصد حياة جون قبل الرحلة الأخيرة.
ما وراء التطرف
شاب من أسرة مكونة من أب مهاجر آسيوي يعمل طبيبًا مهووس بأن يواصل ابنه المسيرة ويرث منه نفس المهنة، وأم أمريكية متدينة زرعت في ابنها بذرة الإيمان فأخذها لحدها الأقصى. يقبل جون في البداية الطريق الذي رسمه والده لكنه سرعان ما يتمرد ويبدأ رحلته كمبشر ينتقل بين الدول المختلفة لنشر كلمة الرب، حتى يصل هوسه بنفسه ومهمته لأن يقوده إلى تلك الرحلة القاتلة، التي يرى نفسه فيها وريثًا للمسيح مكلفًا بمهمة سماوية لإنقاذ سكان الجزيرة من الكفر.
وعلى الرغم من أن الإجابة القصيرة لتفسير ما فعله جون ستكون أيضًا هي الاختلال الأسري، بما نفهمه تدريجيًا من التأثير السلبي لشخصية والده ووالدته عليه، لكن "أيام أخيرة" لا يكتفي بهذا التفسير السطحي، ولكنه يتعمق أكثر في تكوين شخصية البطل، انطلاقًا من أن ملايين البشر يعيشون في أسر تعاني من مشكلات، لكن من النادر أن يقوم أحدهم بهذا الفعل الجنوني، فحتى من ينضمون إلى التنظيمات الدينية المتطرفة يفعلون لذلك أملًا في العثور على مجتمع جديد أو أسرة بديلة من المؤمنين تعوّض ما افتقروا إليه في بيوتهم، لكن ما فعله جون تشاو هو فعل شخص مفتون بحاله لدرجة الإيمان بأنه مُصطفى بين البشر لمهمة إلهية.
الفيلم يحاول تفسير هذه الشخصية بناء على ماضيها وأهم المراحل في حياتها، وصولًا لنقطة الانفجار التي يلتقي فيها بفتاة جميلة بعد محاولته الأولى للوصول للجزيرة، الفتاة تُعجب به وتنوى قضاء الليلة معه، ليفاتحها بمهمته المقدسة، وعندما تجادله حولها وتسمع ردوده تجيبه بالحقيقة الوحيدة: "أنت لا تعرف شيء عن هذه الجزيرة وأهلها. أنت لا تذهب لإنقاذهم، ولكن لتثبت لنفسك أن شخص مميز". لعل هذا هو التشابه الجوهري بين أبطال الفيلمين، أنه سواء في "عرائس" أو "أيام أخيرة"، فالأبطال يخوضون رحلة ستكون في الأغلب الأخيرة في حياتهم، لكنهم لا يعرفون ما يكفي عن وجهتهم، لأن دوافعهم في الحقيقة ترتبط بما عاشوه بالفعل، لا بما هم مقدمين عليه.
على صعيد المستوى يتميز "أيام أخيرة" أكثر، انطلاقًا من رؤيته الأعمق وخبرة مخرجه وحكايته الحقيقية المشوقة، وإن كانت الرغبة في تقديمه في صورة عمل جماهيري جعلته ينحو أحيانًا إلى الصياغات المعتادة لأفلام الحركة الأمريكية، وهو ليس عيبًا في حد ذاته، لكنه يُحمِّل السرد في هذا الفيلم تحديدًا بما يشتت الأذهان قليلًا بعيدًا عن الموضوع الرئيسي.
لكن يبقى الفيلمان بما يطرحانه من أسئلة متقاربة، بالغة الأهمية، وما يسردانه من حكايات يمكن التفاعل معها وتفهم شخصياتها، من أهم الأفلام التي شاهدناها حتى هذه اللحظة في مهرجان صندانس 2025.
اقرأ أيضا:
محمد رمضان: أخويا في الرضاعة مسيحي
#شرطة_الموضة: روبي بفستان قصير بخامة مخملية وريش ... سعره 46 ألف جنيه
رمضان 2025 - بالفيديو .. كوميديا حسن الرداد وإيمي سمير غانم في برومو "عقبال عندكو"
خالد سرحان يرد على محمد رمضان باستخدام الذكاء الاصطناعي ... والأخير يعلق "كان هيديه على عينه"
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5