بالرغم من زيادة متوسط عمر البشر المتوقع بأكثر من الضعف على مدى القرن الماضي كله، أي إلى متوسط سبعون عام تقريبًا (بحسب العلماء)، إلّا أن البشر ما زالوا يتسائلون باستمرار: هل يمكن أن نعيش أكثر؟ وتزداد حدة ذلك التساؤل في مجالات أبحاث الشيخوخة في السنوات الأخيرة، يسعى الباحثون فيه إلى تطوير أدوية يمكن أن تؤخر أو توقّف عملية الشيخوخة لدى البشر، جميعها يتم اختبارها مرارًا على الحيوانات المختلفة، وفقا لوول ستريت جورنال، بينما يسعى آخرون يسمون أنفسهم "قراصنة البيولوجيا" إلى الهدف ذاته لكن عن طريق أنظمة الأكل والنوم والتمارين الرياضية الصارمة، التي يزعمون أنها تطيل متوسط العمر المتوقع وتعكس الشيخوخة، بحسب الجارديان التي نقلت عنها انتربرايز.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
هذا الموقف البشري، بالرغبة في إطالة العمر لأكبر فترة ممكنة استدعت هوس موازي، يجعل البشر لديهم نظرة مختلفة إلى صحتهم مختلفة تمامًا عن الماضي، وربما ساعد في ذلك التطور الطبي المذهل الذي حدث في السنوات الأخيرة، والعمل في مساحة كانت مجهولة تمامًا، وذلك تحديدًا ما يتعمّق خلاله الفيلم الوثائقي Hack Your Health: The Secrets of Your Gut "اخترق صحتك: أسرار أمعائك"، الذي يحكي حول صحة الجهاز الهضمي: يركز على الأمعاء ودورها المحوري في الحفاظ على صحة الإنسان وإطالة عمره، من خلال رحلة الكاتبة الألمانية جوليا إندرز، التي تدمج في حديثها بين الحقائق العلمية الحديثة والفكاهة المفرطة في تصديقها.
الفيلم من إنتاج شبكة نتفلكس، وإخراج الهندية Anjali Nayar التي حاولت توثيق هذا العمل صعب التوثيق بصريًا نتيحة اعتماده على تصوير الأمعاء الغليظة للإنسان، الأمر الذي جعلها تلجأ إلى تحويل أكثر من نصف الفيلم إلى رسوم متحركة بيانية لا تثير الاشمئزاز تمامًا.
يعتمد الفيلم في الأغلب على تحليلات وآراء طبيبة الأمعاء جوليا إندرز، عالمة ألمانية التي كتبت كثيرًا في موضوع القناة الهضمية، ويتناول تحليليًا حالة أربعة أفراد يعانون من مشكلات صحية ترتبط مباشرة بالأمعاء. تتنوع بين مشاكل الهضم، وصعوبات التحكم المثالي في الوزن.
ويتعمّق الفيلم في أساليب حياتهم الحميمية الشخصية وطريقة عيشهم. يجد المشاهد نظرة على التأثير المذهل الذي يمكن أن يحدثه الجهاز الهضمي على صحة سائر أعضاء الجسم. جميع الأشخاص يعانون من مشكلات صحية مختلفة يمكن إدارتها من خلال فهم أكبر للميكروبات داخل أجسامهم. الميكروبات التي يدّعي الفيلم أنها تفيد صحتنا.
ثمة مساحة تأمل حقيقي في الفكرة التي يطرحها العلماء داخل الفيلم؛ فإذا كان الفعل الطبي يضع شخصًا ما باعتباره مريض أمام شخص آخر مشهود له بالمعرفة والصحة، والتمييز الأساسي بينهما هو وجود ألم أو عيب في المظهر لدى الأخير المريض، فإن الفيلم يطرح أفكار تجسد بعض الأمراض التي يمكن ألا تظهر أبدًا آثارها على هؤلاء المرضى.
ببساطة تبدو الأفكار الطبية في الفيلم هنا أشبه بفلسفة يجب الإيمان بها أولًا، وهي الفلسفات التي بدأ الطب من عندها أساسًا، إذ أنه حتى نهاية القرن الخامس عشر لم يكن الطب قد اكتسب خصوصيته بعد، وربما تلك الأفكار تعيدنا إلى ذلك.
هوس الأصحاء والمرضى
في كتاب "تاريخ الطب.. من فن المداواة إلى علم التشخيص" للمؤلف جال شارل وترجمة إبراهيم البجلاتي، يقول الكاتب أنه على مدار قرون كان الطب يتطور، ولم يتقدم العلاج إلّا قليلًا. هذا الأمر مع مرور السنوات جعل الأطباء يحاولون إيجاد العلاج البشري من داخل الجسد مرة أخرى بدلًا من البحث عنه خارجًا، وربما هذا هو المنطق نفسه الذي يتحرك من خلاله الفيلم. بالطبع يفهم الجميع أن البيكتريا أحيانًا تساعد المريض أو الإنسان بشكل عام، لكن الفيلم يتقدم خطوة ويعتقد أن تلك البيكتريا موجودة في الأمعاء الغليظة تحديدًا التي لا يتم النظر فيها جيدًا.
بشكل أساسي يمثل "الميكروبيوم" محور الفيلم. ويشير هذا المصطلح إلى مجموعة الميكروبات والبكتيريا المفيدة المتعايشة داخل أجسام البشر والكائنات الحية الأخرى. تسلط أندرز مع الخبراء الآخرين الضوء على العوامل المؤثرة في تشكيل الميكروبيوم في أجسامنا بشكل خفي لا يظهر سواء في الصحة أو المرض، مثل النظام الغذائي وأسلوب الحياة، ما يؤثر في نهاية المطاف على حياتنا دون أن نفهم تمامًا.
في إحدى الحوارات التي يطرحها عالم البيئة الميكروبية جاك جيلبرت عن مدى حداثة دراسة الميكروبيوم والبراز لتطوير هذه المنطقة الطبية (المتجاهلة في رأيه)، يقول: "في بداية علم الميكروبيوم، كنا حقًا فئران تجارب خاصة بنا، كنت أنا وزملائي نجمع البراز بأنفسنا ونضعه في الثلاجات". عند الحديث عن صحة الأمعاء، لا يمكن القول بأن هناك حل واحد يلائم الجميع، إذ يختلف الميكروبيوم وفقا لكل فرد، ما يستلزم اتباع نهج شخصي مخصص يشمل العادات الغذائية ونمط الحياة. يستكشف الفيلم مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتحسين صحة الجهاز الهضمي. بداية من عمليات زراعة جراثيم البراز وحتى التعديلات الغذائية. لذلك يعد الفيلم بمثابة جرس إنذار لتذكيرنا بضرورة الاستماع إلى أجسامنا والاهتمام بصحة الأمعاء من أجل صحة جسدية أفضل.
يتابع الفيلم في تفسير سياق هذا العلم الجديد على قصص مختلفة تثبت ذلك؛ قصة الطباخة التي تخاف أن تأكل من أكلها لأنها تعتقد أن تغير أسلوبها في تناول الطعام يصيبها بالمرض، وقصة الأم التي ترعى ثلاثة أطفال يجب أن تنوع في طعامعهم بينهما لا تتمكن من تخسيس وزنها، والرجل الياباني الذي يبدو بطل العالم في مسابقات الأكل، وما يتركه عمله من أثر سلبي على صحّته، وأخيرًا فتاة لديها مشاكل في المعدة لا تتمكن من تجاوزها بكل الطرق قبل أن تعرف مزايا "البراز" وتحليله، وتكتشف علاجها.
لدينا مايا، طاهية المعجنات الحائزة على نجمة ميشلان والتي تعاني من فقدان الشهية وتشعر بالسوء إذا أكلت أي شيء إلى جانب الخضار والمكملات الغذائية، مما يعني أنها لا تستطيع حتى تناول طبخاتها اللذيذة.
دانييل طالبة في علم النفس، لديها خيارات غذائية رديئة تتعامل مع مجموعة من مشاكل الجهاز الهضمي. يمكنها أن تأكل فقط حوالي 15 نوعًا مختلفًا من الأطعمة التي لا تسبب لها الألم. السيدة كيمي صُنّفت على أنها مصابة بالسمنة المفرطة، ولا يمكنها إنقاص وزنها على الرغم من تجربتها مجموعة متنوعة من الأنظمة الغذائية وأنظمة التمارين الرياضية والأدوية.
كوباياشي، آكل الطعام التنافسي المشهور عالميًا والذي تناول كميات غير بشرية من النقانق وشرائح البيتزا وغيرهم، والآن، لم يعد يشعر بمشاعر الجوع ، ويخشى أن تكون حياته المهنية الضيقة بشكل خاص قد أضرت بجسده.
يتجسس صنّاع الفيلم على هؤلاء الأربعة في بيوتهم، على كل تفاصيل حياتهم لدرجة دخولهم مع أحد إلى دورة المياة لتوثيق فضلاته، دون اشمئزاز كبير، لجمع عينة من الكعك بملعقة صغيرة صغيرة، إذ يوفر الفيلم التفاصيل الرسومية لهذا المشهد بشكل كرتوني. ينتهي الفيلم في جعلهم يعيدون النظر في أهمية البيكتريا التي تساعدهم جميعًا في التحسن والشعور بالرضا.
يبدو الفيلم من اللحظة الأولى تجسيدًا لهوس أحيانًا يصل لدرجة الضحك بسبب شيئين: أولهما الهوس الكبير الذي تعتقده الطبيبة أن اتباع التعليمات بالضرورة ستجعل الإنسان يعيش أطول، مع تجاهل كل العوامل الأخرى. والثاني يتمثّل في النظرة الجديدة المطروحة التي تجعل من "البراز" تحديدًا أداة النجاة التي يجب أن نعيد النظر في اهتمامنا بوجوده أو تحديدًا في "تأمله".
بالطبع خفّف من حدة هذه المراقبة لأمعاء الأربعة حرفيًا، اعتماده على الرسوم المتحركة في الكثير من المشاهد، وجعل من القطعات المونتاجية الهادئة صورة أشبه بكونها مقدمة في فيلم للأطفال. وربما الأفكار الحالمة التي يطرحها الفيلم نفسه بالحفاظ على بعض البيكتريا داخل أجسامنا، جعل الفيلم خفيف الاستقبال نوعًا ما.
استنتاجات طبية تعيد النظر في البيكتريا
يستنتج الفيلم أن أحشاءنا تمتلك "دماغ ثانٍ". ينقل هذا الدماغ مشاعر الجوع أو الشبع إلى الدماغ الحقيقية في رؤوسنا. هذا الأمر دفع العلماء إلى استنتاج أن الأمعاء قد تكون مرتبطة بمجموعة متنوعة من المشكلات الصحية. على سبيل المثال يقرر العلماء تجربة عملية زرع الميكروبيوم في البراز، الأمر الذي يتطلب "استهلاك براز شخص آخر".
يتم ذلك من خلال تناول كبسولات (مكملات) تحمل الميكروبيوم من إنسان إلى آخر. في إحدى التجارب تتناول إحداهن تلك الحبوب وتصاب بالاكتئاب مثلما كان لدى الشخص الذي حقنت برازه. يجعل كل ذلك استنتاج تأثير الإنسان بالميكروبيوم أو أشياء الأمعاء، تحديدًا البراز، علم يطرحه الفيلم دون أي خجل.
يطرح الفيلم قضية شائكة تمامًا عندما يعتقد العلماء أن السبب المؤسس في وجود عدد كبير من الأمراض في تلك النماذج الأربعة، أو بشكل عام، في عدم تعمّدهم إيجاد أنواع معينة من البيكتريا في أمعائهم، باعتبار أن تلك البيكتريا ذاتها تساعد في إنقاذ الإنسان من الأمراض. يقدم الفيلم المرض نفسه مقارنة بما هو طبيعي بشكل أكثر غموضًا، مفهوم المرض نفسه يصبح مشكوك فيه.
تقول إندرز والخبراء الآخرين حول الميكروبيوم، الذي يشبه بصمات الأصابع نسبيًا: كل نوع من الميكروبات لدينا مختلف عن الآخر، وليس من المستغرب أيضًا أن تفتقر الكائنات الحية الدقيقة للأفراد الذين يعيشون في المجتمع الصناعي إلى تنوع البكتيريا التي نحتاجها لنكون أصحاء، وهو نتيجة استهلاك الأطعمة المصنعة. لذلك طلب الأطباء من مايا ودانييل وكيمي وكوباياشي أن يرسلوا لهم عينات براز حتى يمكن تحليل الميكروبيوم الخاص بهم، ومطابقتها مع الأطعمة التي ستساعدهم على تطوير مجموعة واسعة من بكتيريا الأمعاء، وبالتالي يشعرون بالتحسن.
على مدار الفيلم يؤمن العلماء و أن مشاعرنا وأفكارنا ورغباتنا مرتبطة بشكل مباشر وواضح بالأمعاء التي نتجاهل "تأملها" فقط لأن ذلك يشعرنا بالاشمئزاز. في مشاهد متفرقة تغضب العالمة الألمانية من البشر لأن حكمهم على الأمعاء الغليطة للإنسان غير دقيق، ومجحف، ويحتاج إلى إعادة نظر. في إحدى نصائح الطبيب الفرعوني القديم أبقراط يقول "فليكن الطعام دواؤك والدواء طعامك"، توفي أبقراط في عام 370 قبل الميلاد، قبل أن يكون هناك الكثير في طريق الطب الفعال وقبل أن يتعلم الناس الكثير عن الطعام والأمعاء، وربما يعتمد هؤلاء الأطباء على نصائح شبيهة دون أن يعرفوا الرجل جيدًا.
اقرأ أيضا:
في الذكرى الـ114 لتأسيس نادي الزمالك … 21 فنانا من عشاق مدرسة الفن والهندسة
أصالة كامل مذيعة MBC3 تكشف عن حملها … جلسة تصوير مع زوجها ولحظات لعب بـ"بلاي ستيشن"
بسمة بوسيل تكشف عن تعرضها لحادث سير
أحمد العوضي يرد على انتقادات تكرار تقديمه للأدوار الشعبي: مش عاجبك متتفرجش عليا
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5