يبدو أن خمسين عاما لم تكن كفيلة لتغيير الكثير في شخصية سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، فبين حوارها المنشور في مجلة "الإذاعة" بتاريخ إبريل 1960 وحوارها في جريدة "المصري اليوم" بشهر مايو 2010، لم تختلف حياتها البسيطة الأنيقة.
رأتها الإعلامية آمال فهمي في الساعات الأولى من الصباح، ووصفتها في بيتها "الأنيق" بابتسامتها الهادئة العذبة بمجلة "الإذاعة" في 1960، وتحولت في 2010 بصحيفة "المصري اليوم" إلى "ضحكة جنان" على يد رئيس التحرير مجدي الجلاد، ولقد أجرت فاتن حمامة الحوارين على بعد خمسين عاما.
أحلام فاتن.. من الغناء إلى "الأمل"
كانت فاتن حمامة في 1960 تتمنى أن يكون صوتها حلو لتغني، حيث قالت: "معرفش ليه اليومين دول بالذات باحس إني عايزة أغني، وأتخيل أن صوتي هيكون له طابع تاني عن المطربات، وكنت هغني أغاني صغيرة وحلوة وليها معنى، وعبد الوهاب طبعا يلحن لي".
أما في 2010، فتتمنى وجود الأمل، وقالت: "لا يمكن أن يعيش المرء دون أمل.. وفى مصر هناك تجارب كثيرة فتحت نوافذ الضوء، ولكننا بحاجة إلى جعل هذه التجارب الفردية أو المتناثرة سمة عامة في حياتنا".
وتابعت: تصور أنا أتلقى عروضاً كثيرة لأعمال سينمائية وتليفزيونية، ودائماً أقول إنني لو عدت للفن سأختار رواية لها رسالة محددة "الأمل"، أنا عشت عمري كله خيالية وحالمة وأنام لأصحو على أمل جديد، والآن هناك إحباط غير طبيعي في البلد، أنا أعرف أن مصر مليئة بالمشاكل، ولكنني أؤمن بأن هذه المشاكل يمكن حلها.
نظرة إلى التليفزيون تغيرت خلال 31 عام!
وعبرت فاتن حمامة عن اشتياقها للشاشة والجمهور قائلة، "أنا اشتقت لهم، وهناك الكثير من الروايات تستهويني لكن الأهم هو العثور على دور يليق بي وبإحساسي وبسني، فأنا أتلقى عروضاً كثيرة لتقديم أعمال في السينما والتليفزيون، لكن مشكلة التليفزيون الآن أنهم يعرضون صفحتين من موضوع المسلسل كمعالجة للفكرة، وأنا لا أستطيع تقييم موضوع المسلسل بهذا الأسلوب، أنا أحب قراءة العمل كله لاتخاذ قرار بشأنه".
وتابعت: سبق وقدمت "ضمير أبله حكمت" بهذه الطريقة في 1991، ولكن كانت له ظروف خاصة، كانت لدى فكرة أنني أريد تقديم عمل تليفزيوني مع الكاتب الرائع الراحل أسامة أنور عكاشة، والمفارقة أنني أبلغت المخرجة إنعام محمد علي، برغبتي في تقديم عمل عن التعليم، فقالت لي إن أسامة يريد كتابة مسلسل عن الموضوع نفسه، وهكذا التقت رغباتنا جميعاً.
أما عن رأيها في تقديم أعمال تليفزيونية في 1960، قالت: "لن أظهر في التليفزيون كممثلة، ولا مانع أن أكون ضيفة في برنامج أو أقول حديث"، وفكرت قليلا ثم قالت: "أو في تمثيلية لا تزيد مدتها عن ربع ساعة".
الإغراء في حياتها
طوال حياتها، عرفنا فاتن حمامة بأدوارها التي اتسمت بالالتزام فهي لم تقم بأي دور يعتمد على الإغراء، ولذلك نبين رأي سيدة الشاشة العربية في الإغراء، حيث قالت في 1960: "أنفع في أدوار الإغراء من غير ما اكشف جسمي، وإذا كنت شاهدت فيلم (دعاء الكروان) ستجدي أن النصف الأخير منه يعتمد على هذا اللون".
ووجهت لها آمال فهمي سؤالا إذا كان يمكنها ارتداء بدلة رقص، فسكتت فاتن سكتة طويلة وتململت ثم ترددت..ونظرت إليها وكأنها ترجوها بإغفال السؤال، على حسب وصف الإعلامية الشهيرة التي انتظرت لأنها كانت متشوقة لتعرف الرد فقالت: "جسمي شكله لا يصلح و...." فقاطعتها الإعلامية الشهيرة قائلة: "ومن حيث المبدأ" فردت في حزم وبسرعة وكأنها تشرب جرعة من دواء مر "ألبسها".
أما في 2010، كان رد فاتن على سؤال حول الإغراء زمان هو: "لا أعتقد أنه كان هناك إغراء زمان، الفن كان تعبيراً عن الواقع، والحياة زمان كانت الممنوعات فيها أكثر من الآن، لذلك كان البعض يعتبر ما يقدم في السينما إغراء، أما الآن، فالشباب أصبح (مودرن)، يخرج ويصاحب، البنت المصرية تغيرت كثيراً، زمان كانت مغلوبة على أمرها، كان يقال لها دائماً (عيب)، لكن حدث تطور كبير وبدأت فى الخروج إلى التعليم والحياة، وخروجها للعمل والحياة اضطرها أن تصبح قوية، زمان كان سير فتاة بجوار شاب في الشارع (مصيبة)، الآن كل شيء تغير وتطور".
مرحلة الاعتزال
وعن رأيها في الاعتزال والحجاب الآن: "كل إنسان يفعل ما يريد، ولا يحق لأحد أن يفرض رأيه على غيره، هذه حرية شخصية"، أما في 1960 قالت: "أنا أحب أن يعتزل الفنان وهو في قمة مجده مثل جريتا جاربو".
آراء سياسة
ولسيدة الشاشة العربية مواقف سياسية واضحة، ففي 1960 وجهت لها آمال سؤالا عن حب الشعب الروسي لها، فقالت: "لأنهم شافوا أفلامنا وهم محتاجين للعطف والحنان، وده وجدوه بوفرة في أفلامنا".
أما عن آرائها السياسية الحالية وتقييمها للرؤساء المصريين قالت: "رأيت جمال عبد الناصر مرة واحدة في إحدى الحفلات تسلمت منه جائزة في الحفلة.. يومها تم توزيع جوائز بـ"الجملة"! .. كنت متحمسة له جداً.. ولكن عندما شاهدت "البهدلة" التي تعرض لها الناس بعد التأميم ذهب الحماس، وبعد التأميم، كثير من الناس حولي تضرروا من هذه القرارات، تعرضوا للظلم، عاشت مصر في هذه الفترة في ظل الخوف، لا حريات .. وكانت الناس مرعوبة من زوّار الفجر".
وعن النكسة، قالت: "أيامها لم أتوقع أن نتعرض لهزيمة منكرة بهذا الشكل، حبست نفسي في البيت شهراً كاملاً، وكنت في باريس وقتها فلم أستطع مواجهة البواب، كلنا انكسرنا، وكنا نخشى القول أنا عربي أو أنا مصري وبعد أيام أصبح الفرنسيون يدافعون عن العرب لأن الفرنسي (حقاني)، وبدأت الصحافة هناك تنشر صوراً فظيعة عن الحرب، من بينها صورة شهيرة نشرت على غلاف مجلة (بارى ماتش) غيرت وجهة نظر الناس عن الحرب، وأسهمت في إدانة إسرائيل، والصورة كانت لسيدة عربية تمسك ابنها بيد وبالأخرى تحمل ملابسها وهى تعبر جسراً مكسوراً ومهدماً بفعل الحرب".
أما عن السادات، قالت: "كان إنساناً لطيفاً وبشوشاً، يقابل الناس بروح جيدة، في عهده خرج الناس للحياة مرة أخرى، أخرجوا ذهبهم وملابسهم، وذهب الخوف، بصراحة أنا أحببت هذا الرجل كإنسان ورئيس، وهو الذي أعاد لنا سيناء، وهذا (على راسي من فوق)، وأذكر أنه قابلني في فرح بعد عودتي من الخارج وقال لي ممازحاً (هنأخد باسبورك حتى لا تسافري مرة أخرى)".
وعن الوضع الحالي وانتخابات الرئاسة 2011، قالت: "بصراحة، أنا حائرة، فقطعاً لابد أن يكون هناك عدل وطرق اختيار أفضل، لكن الحرية الزائدة أيضاً ممكن أن تخرب الدنيا، والرئيس مبارك إنسان، وعاقل، وجنبنا مشاكل كثيرة بعقله، وأنا أحبه فهو يحنو على الكبير والفقير".
وعن علاقتها برئيس وكالة الطاقة النووية السابق محمد البرادعي، قالت: "حضرت فرحه، وهناك معرفة من ناحية السيدة زوجته، فالبرادعي أثبت نفسه في المحافل العالمية، وهو إنسان ممتاز، وهو يعرف مصر زمان، لكنه لا يدرك حجم التغيير الذي طرأ على الإنسان المصري الآن".
وبالنسبة للمطالبة بتعديل الدستور، قالت: "التغيير سنة الحياة، أتمنى مصلحة البلد أولاً، ومن المفروض أن يتم تحديد مدة الرئاسة".
الفن الآن
الفنانة فاتن حمامة تتابع الحركة الفنية في الفترة الحالية وأعلنت عن إعجابها بالعديد من الفنانين فقالت: "لم أشاهد الجميع، لكن الكثيرين منهم جيدون ومنهم أحمد حلمي وأحمد السقا ومحمد هنيدي وآخرون من الجيل نفسه ومنى زكي لأنها مليئة بالإحساس وهذا يصل للمتفرج، ومن المخرجين شريف عرفة أفلامه (بتقول حاجة)، ولغة السينما عنده عالية ومروان حامد لديه إحساس، وشغله في فيلم (عمارة يعقوبيان) من أجمل ما يكون".
وتابعت: شيرين هي التي تطربني حالياً، وأنغام صوتها لطيف ورقيق، ولكن أحياناً تضيع منها الكلمة وهي أيضاً شخصية قوية، أما عمرو دياب عندما يغني يصنع حالة جميلة وشكله لطيف وكلامه مهذب، ومن العرب تعجبني فيروز طبعاً وماجدة الرومي.